بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

11 آذار 2022 12:00ص كل ذلك ليس سوى حلم!

حجم الخط
أقرأ بيسوا. الصباح في الخارج ماطرٌ وباردٌ كأنّه يدُ جرّاح امتدّت إلى أرواحنا. فنجان قهوتي يُفرغ في وجهي دهشته البيضاء. أفكاري مثل حائط يستلقي فوق كتفين مقوّسين بالأسئلة المريرة. وإبرة الوقت السريعة تخيط قلبي بهواجس من كل صنف ولون. 

هو شاعر وكاتب برتغالي معروف. وقعت عيناي على كتابٍ له بالصدفة. الصدفة التي تحملها إلينا هديّةٌ رقيقة ولو أتت باليسرى! 

عجيبٌ أن ترى إلى يدك التي تخطّ بها أوجاعك الحُسنى قد سبقك إليها آخر. أنّ أحداً غيرك أخذ موعدك اليتيم مع الحبر. أنّ لسانك أطول بقرونٍ مما تتخيّله أحوالك أو تقدر عليه كلماتك. فالكتابةُ توقّفٌ حرّ عن الكلام، ووقوفٌ دائم في الظلّ الطويل للبشريّة. والكتابة صيامٌ طوعيّ عن الحرف. نكتب في حالة واحدة فقط: عندما نتوبُ عن فعل الكتابة! 

بيسوا يجعل مني قارئاً دائماً. فأنا لست نجّاراً لأصنع من خشب الكلمات مراكب للنجاة. يأخذني البحر إليه كنوارس من موج ورمل. ويُطفئ الغرقُ في عيوني شهوة القلم إلى الشاطئ. أقرأُ كأنّي صمتٌ بلا جسور مع الأبجديّة. كأنّ رغبةً قويةً في تبنّي الكلمات تمنحني أبوةً ناقصة. 

يكتب بيسوا عن البرتغاليين كأنّي به يكتب عنّا نحن اللبنانيين. فليستمع قارئي العزيز إلى ما يقوله هذا الكاتب الشهير (بتصرّف) لعلّه يفهمني؛ فيعذرني عن عدم الكتابة!

«تحمل إليّ الصحف كل يوم أخباراً عن وقائع مهينة لنا نحن البرتغاليين. أبلغ حزناً لا يتخيّله أحد، ويستبدّ بي يأسٌ عميق. اهٍ كم أحلم بقدوم ماركيز يشتري هذا البلد. أو بمُخلًص حقيقي، قوي وشجاع، يُعيد فرض النظام من جديد. بيد أن لا شيء يساوي الألم الكبير الذي ينتابني حين أدرك بطبيعة الحال، أنّ كل ذلك ليس سوى حلم بعيد».


أخبار ذات صلة