بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

1 تشرين الأول 2021 12:00ص من ليس عنده قضية!

حجم الخط
من ليس عنده قضية، تكون له ابتلاءً في حياته، واختباراً لمعدنه، وعوناً له على أعدائه، فليس هو على شيء! فكيف بحال مَنْ يتخلّى عن قضيته أو يتنازل عن حقّه فيها؟ سيأتي حتماً من يأخذ منه قضيّته، ويجرِّده من كرامته فيها، ويتركه من ثمّ ذليلاً، تائهاً، وغافلاً ، يسير بلا هدف وبلا قيمة وهو لا يشعر. يتصور عجزه قوةً، واستسلامه انتصاراً، وتخلّيه حكمةً. وهو في كل يوم يزداد غباءً ويحسبه فطنةً وذكاءً، ويزداد جوعاً ويحسبه شبعاً وامتلاءً، ويزداد عطشاً ويحسبه ارتواءً ونهْلاً. هو ضعيف كل الضعف، ولكنّه أعمى لا يرى الحقيقة، وأصمّ لا يسمع نداء العاقبة. تحيق به الأخطار، وتتخطّفه الأبصار، وتدور عليه الدوائر، ويكيد له كل طامع وطامح، وهو على نفسه باغ، مؤثراً السلامة الكاذبة لها على المُدافعة الصادقة عنها. تعوزه شجاعة القضية، وتغيب عن ذاكرته سعة الدم في الحق. تراه أقرب إلى الخوف من الخشوع، وإلى الرعونة من السّداد، وإلى الزيغ من الرشاد. يجري مجرى النفاق في شؤونه طلباً للمداومة في باطل لا يدوم، ودفعاً للملاومة في حق لا يزول. يفرّ من العواصم المضيئة ما اجتمع الناس عليها، ويقع في القواصم المظلمة ما انفكّ الناس عنها. يُخالف كل صريح أبلج ويعانق كل غامض مُبْهم. يكره المناصحة وينفر من المفاصلة ويخشى من أمره الخبر والأثر. يبني فوق السراب سراباً ويحسب المُطاولة عمراناً وينسى الأسّ والرسّ. يُزيّن بالغرور أعماله وتنوء بأوهامه الأوهام. يتمسّح بكل مكربة وتأخذ بناصيته المكاره. وهو عن كل طالب غافل وعن كل مقصّر حاضر. يضيق به المكان فيحسب أن له فيه متّسعاً. ويُطبق عليه الزمان فيحسب أن الماضي عنه بعيد. لا مستقبل لمن لا قضية له. ولا قضية لمن لا حقّ له. ولا حق لمن لا يحقّه أو يموت دونه.

أخبار ذات صلة