بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

28 شباط 2024 12:01ص من إعلام العدو: متى تتحول السلطة إلى نظام؟

حجم الخط
ألوف بن

وصلت الحكومة الإسرائيلية الراهنة إلى النقطة التي يجب أن نطلق عليها، من الآن فصاعداً، اسم «نظام نتنياهو». صحيح أن إسرائيل لم تصبح مثل كوريا الشمالية، أو روسيا، أو إيران، إذ لا يمكن لمواطني هذه الدول سوى الشعور بالغيرة من الحرية النسبية التي يتمتع بها مواطنو إسرائيل، المسجّلون في السجل المدني، بصفتهم «يهوداً وآخرين». وصحيح أنه لا يزال في الإمكان هنا توجيه النقد إلى السلطة، وصحيح أن الذين يحملون جوازات السفر الإسرائيلية قادرون على الخروج من البلد والعودة إليه من دون خوف. لكن نتنياهو وجماعته رسموا هدفاً واضحاً لحكومة اليمين الكامل: إنه القمع التام لحرية التعبير، وإقامة نظام حُكم استبدادي قومي- ديني، يُقصي مَن يفكر بصورة مختلفة عن الحيز العام.
خصص العديد من الدراسات مساحة للبحث في مسألة «متى يتحول الحكم الديمقراطي إلى حُكم استبدادي، حتى لو تم انتخاب الحكومة في إطار انتخابات حرة وشرعية»؟ في بعض الأحيان، يكون من السهل تشخيص ذلك، أي الحالات التي يتم فيها تجميع معارضي النظام في ملعب لكرة القدم [تشيلي بينوشيه]، وإلقاؤهم من الطائرات، أو اعتقالهم أعواماً من دون محاكمة، أو إعدامهم في إطار محاكم صورية. لكن في أحيان أُخرى، تتراكم الأعراض المقلقة بالتدريج، وتواصل التراكم، إلى أن تتجمع الخطوط المبهمة لترسم صورة شديدة الوضوح والخطورة، كما يحدث الآن في إسرائيل.
يوجّه نظام نتنياهو الضربة تلو الأُخرى إلى الديمقراطية الإسرائيلية. إن مجموعة الأحداث التي جرت في الأيام القليلة الماضية، والمتمثلة في إلغاء وزير التربية والتعليم طقوس تقديم جوائز إسرائيل في يوم استقلالها، لكي يحرم رجل الأعمال والأب الثاكل إيال فيلدمان من التقدير، كونه أحد أبرز منتقدي نتنياهو؛ وقيام شرطة تل أبيب بممارسة القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين الداعين إلى تقديم موعد الانتخابات، وهو موقف معارض واضح؛ وقيام لجنة اختيار القضاة بمنع ترقية قاضية محكمة البداية الحيفاوية طال تدمور زمير، لأن أحكامها ضد العرب «ليست قومية بما يكفي»؛ وتهديد السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة بفرض غرامة على القناة 13 بسبب الانتقادات التي صدرت عن محرر أخبار الخارج، غيل تماري، لرئيس الوزراء، ليست سوى أمثلة لذلك.
القاسم المشترك بين هذه الضربات كلها، هي أنها لم تكن موجهة ضد منشقّين متطرفين. كما أنها لم تكن موجهة ضد الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، التي تعارض الحرب، ومنذ بدايتها، تطالب بوقف إطلاق النار وتبادُل الأسرى والمحتجزين. لقد مورست سياسة متشددة تجاه المواطنين العرب، تتمثل في تقليص حيز التعبير عن الرأي والتظاهر، وتجريم المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، والتشهير المتواصل، مثلما جرى ضد المغنية دلال أبو آمنة (التي تم إغلاق ملفها الأمني) [لانعدام الأدلة]. وصحيح أن عضو الكنيست عوفر كسيف، وهو من اليهود القلائل المعارضين للحرب، نجا من الإقصاء عن الكنيست، بفضل أربعة أصوات، لكن الرسالة الرادعة انتشرت الآن.
ها هو نظام نتنياهو يتقدم خطوة إضافية في اتجاه تحقيق هدفه. ففي ظل الحرب، وتحت ستار موجة الوطنية التي اجتاحت المجتمع اليهودي في إسرائيل، لم تعد الحركة الاحتجاجية المعارِضة لنتنياهو قادرة على استعادة ألقها الذي حازته قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في حين قررت الحكومة استهداف الجهات التالية: الأصوات النقدية المنطلقة من جمهور التيار السائد. ففيلدمان [رجل الأعمال المحروم من جائزة إسرائيل] ليس أليكسي نفالني [المدوّن والمعارض الروسي لفلاديمير بوتين الذي توفي مؤخراً في السجن في روسيا]، وتماري [المحرر في القناة 13] ليس إميل زولا، والسيرة الذاتية للقاضية الحيفاوية تدمور زمير تبدو كشهادة لتلميذة نجيبة: فهي قائدة فرقة سابقة في لواء «ناحال»، وطالبة متفوقة في جامعة بار إيلان، ونائبة عامة تتحدث باسم الشرطة. هؤلاء الأشخاص ليسوا ثوريين، أو فوضويين معادين للسلطة. بل على العكس، لقد تميز هؤلاء بعملهم الجاد والمهني داخل المنظومة، وفي الصناعة، وفي الصحافة، والقضاء، وها هو نظام نتنياهو يستهدفهم، ويعتبرهم خونة وأعداء.
أمّا نتنياهو، المخلص لنهجه، فيراقب من شرفته، في بيته العالي، عملية القضاء على الديمقراطية. هو يتجنب إطلاق تصريحات متطرفة، ويفضّل أن يظهر كدمية وقعت في أيدي «المتطرفَين» إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. لكن علينا ألّا نخطئ الظن، أو نقدم له الأعذار. إن رئيس الحكومة هو رئيس النظام، وهو المسؤول عن ازدياد القمع لمعارضيه في الداخل، كما أنه هو بالذات المسؤول عن «مجزرة» السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، في بلدات «غلاف غزة»، وهو المسؤول أيضاً عن الدمار والقتل في قطاع غزة.

المصدر:هآرتس
اعداد م . د . ف