بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

6 آذار 2024 12:02ص من إعلام العدو: نتنياهو مصرّ على خسارة الولايات المتحدة

حجم الخط
بن درور يميني

بين "حماس" وبين إسرائيل، أغلبية الأميركيين تؤيد إسرائيل. لكن الويل لنا إذا اعتبرنا هذا الأمر إنجازاً. خُمس الأميركيين يؤيدون "حماس"، التنظيم "الإرهابي" الذي لا يختلف في طبيعته عن "القاعدة" و"داعش". وهذا مدعاة للقلق. وإذا لم نستيقظ، فيمكن أن تكون هذه البداية فقط.
من الغريب أن هذا الإنجاز هو الذي يتباهى به نتنياهو. هو بالذات الذي من المفترض أن يكون من الذين يفهمون السياسة الأميركية واليهود في الولايات المتحدة. لقد عاش هناك أعواماً، وكان أميركياً بكل معنى الكلمة. وهو يعلم بأن الحلف غير المكتوب بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل لا يقوم على قاعدة المصالح، بل أيضاً على قاعدة القيم. وهو يعلم بأنه على الرغم من كل الخلافات، فإن الولايات المتحدة أثبتت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر مباشرة أنها ليست فقط دعامة، بل أيضاً حبل نجاة. نعم، لقد كان وضعنا قاتماً. وجدنا أنفسنا في مواجهة تنظيم "إرهابي" يُنشئ منذ أعوام بنى تحتية "فتاكة"، تتطلب منا جهداً عسكرياً أكبر كثيراً مما اعتقدنا. لقد احتاجت إسرائيل إلى جسر جوي من العتاد العسكري أكبر كثيراً مما احتاجت إليه في حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، لقد وقفت أميركا جو بايدن فعلاً إلى جانب إسرائيل في محاربة "الإرهاب".
لكن هناك شيئاً تغيّر. نحن نعلم بأن تقصيراً هائلاً ومخيفاً هو الذي أدى إلى 7 أكتوبر. وهو تقصير استراتيجي وعسكري. والمشكلة أن التقصير الاستراتيجي ما زال مستمراً. لم نتعلم شيئاً من المواجهات السابقة، على الرغم من أن العنوان كان على الحائط. أيضاً موجة التظاهرات المعادية لإسرائيل، وللسامية، والتي اجتاحت دول العالم الحر عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، كان يجب أن نتوقعها. لكننا لم نكن نريد أن نرى، ولا أن نسمع. وحتى عندما بدأت الأمور تتغير ظل العمى مستمراً. نحن الآن في الشهر الخامس للتقصير الاستراتيجي. لقد كان يجب أن يكون واضحاً  لنتنياهو أن المعركة ليست عسكرية فقط، بل هي سياسية أيضاً. كان يجب أن يكون واضحاً له أن "حماس" ستدفع ثمناً عسكرياً باهظاً، لكن كلما كانت هزيمتها أكبر، كلما  كانت صور الدمار والقتل التي ستُغرق وسائل الإعلام أوضح، ونتيجتها السياسية أكبر. مَن كان يصدق أن خُمس الأميركيين يؤيدون "حماس"، ومع ذلك، هذا ما يحدث.
هؤلاء هامشيون، حاولنا أن نقنع أنفسنا بإطار النظرية التي لا تزال سبب إخفاقنا. لكن هذا غير صحيح، فهؤلاء ليسوا فقط المتظاهرين، وليس فقط برني ساندرز [عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي اليساري]  وأشباهه. الآن، هناك كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي، مع تصريحها المخيف. هي تقول بصوت واضح ما يفكر فيه  كثيرون في الإدارة الأميركية. وتريد وقفاً فورياً لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع. لكنها لا تقول إن وقف إطلاق النار هذا هو في مقابل تحرير المخطوفين. بل تقول إنه ربما يسمح بتحرير المخطوفين. وها هي هاريس تقضي على الورقة القوية التي تحتفظ بها إسرائيل لتبرير استمرار القتال.
يجدر بنا أن نقول الأمور بأكبر قدر من الصراحة، نتنياهو يصرّ على خسارة الولايات المتحدة. وهو يبذل كل ما في وسعه للدخول في مواجهة معها. هو يقول لا، ولا، ولا،  لكل مبادرة أميركية. وما يقوله المتظاهرون، وما يقوله ساندرز، تقوله الآن كامالا هاريس. لكن كفى، كفى خداعاً للنفس. لدينا ألف حجة لتبرير هزيمتنا لـ"حماس"، حتى لو كان الثمن مزيداً من الدمار والخراب. ويمكننا القول إن هذا ما فعلته الولايات المتحدة في الموصل، وفي الرقة من أجل إخضاع "داعش". لكن نحن، بحماقتنا، وأساساً بسبب العمى الاستراتيجي لنتنياهو، بذلنا جهدنا لإهمال الاستراتيجيا التي كانت ستمنحنا مزيداً من التأييد. لم يكن علينا انتظار المتظاهرين وساندرز، والآن هاريس، كي نقترح وقفاً لإطلاق النار في مقابل تحرير المخطوفين ونزع السلاح من القطاع. كان يمكننا أن نوقف النار، ليس لستة أسابيع ، كما تطالب هاريس، بل 48 ساعة فقط، لكي ترسل "حماس" ردها، الرافض طبعاً. وكان في إمكاننا تكرار هذه المقترحات مرات ومرات، من أجل تعزيز وضعنا السياسي. لكننا اخترنا "استراتيجيا المطرقة"، التي حتى لو كانت مبرَّرة عسكرياً، فإنها تُعتبر حماقة سياسية عندما تكون هي الاستراتيجيا الوحيدة.
لقد وجّهت إلينا هاريس تحذيراً كبيراً لا يمكن الاستخفاف به. ويمكن الافتراض أن سياسة العمى الاستراتيجي لنتنياهو ستواصل مسارها. لكننا لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بخسارة التأييد الأميركي، لأن هذا بمثابة انتحار. لسنا بحاجة إلى هاريس لإعلان وقف إطلاق نار من جانب واحد، وبشروطنا، كي نحول دون مطالبة الإدارة الأميركية بذلك. لم يفُت الأوان بعد. وإذا كان نتنياهو أعمى، فنأمل بأن يقدم بني غانتس وغادي أيزنكوت مبادرة إسرائيلية لا تتضمن أي إشارة إلى تنازُل عسكري، لكنها تعزز الجانب السياسي بصورة جدية. لكنهما لم يفعلا شيئاً، وحتى الآن، لم يقدما بديلاً، ولم يخرجا عن النظرية. نتنياهو يثير القلق، بينما غانتس وأيزنكوت لا يبعثان على الارتياح.

المصدر: يديعوت أحرونوت
إعداد:مؤسسة الدراسات الفلسطينية