بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2023 12:00ص اضطراب الشخصية السيكوباتية… كيف نميِّز الشخص الخطير عن المسالم؟

حجم الخط
وصف الطبيب الالماني كورت شنايدر الخصائص الرئيسية للاعتلال النفسي منذ عام ١٩٢٣ كان في جوهره نوعاً من القسوة:نقص في بعض المشاعر كالتعاطف والخزي او الاحراج بالاضافة الى سلوكات غير مألوفة مثل عدم القدرة على ضبط النفس وصولاً إلى الاجرام.و لنأخذ مثالاً على هذه الخصائص ستنطرح الشخصية السيكوباتية كمثال.
وفي مقالة سابقة عرفنا السيكوباتية بأنها واحدة من المــشكلات النفــسیة الاجتماعیــة والاقتــصادية التــي تواجــه الأســرة والمدرسة والمجتمع، وقد عرّفها هندرسون  أولاً بأنّها:
١-بانها تلازم الشخص منذ نشأته أو تظهر في سن مبكر.
٢- هي سلوك مضاد للمجتمع.
٣- تميّزها المزاجية بین الارتفاع والهبوط دون أن يدخل الشخص في حدود النقص العقلي.
٤- إنها لا تتأثر بأي وسیلة من وسائل العلاج.
٥- إنها مرض والمصاب بها هو إنسان مريض ليس بشرير أو مجرم.
٦- السیكوباتي يفضّل تحقيق اللذة بصورة عاجلة ولا يستطيع التأجيل إلّا إذا كان ينوي التخطيط المتقن والمدروس لغاية ما وإن هددت حیاته وأسرته ويسعى إلى حـل صـراعاته علنـا ولا يمنعه أو يخيفه العقاب.
< ثانياً: الدافع الأساسي «للسيكوباتي» المجرم:
«عندما يريد السيكوباتي الانتقام فهو يصبح عاجزا عن التحكم بإنفعالاته إلّا بحالة واحدة وهي التخطيط للجريمة والتنسيق مع أشخاص مقابل المال لإخفاء الجثث وآثار الجريمة والدافع الرئيسي هو عدم تقبّل الخسارة أو الإهانة من قبل الآخر.
ثالثاً: السمات الأساسية للشخصية السيكوباتية:
١- ضعف الضمیر وعدم الشعور بالذنب وعدم القدرة على الضبط الداخلي.
٢- الفشل في بعض أنواع التعلم خاصة التعلم الذي يحتاج للوعي بمعايیر المجتمع و لكن مقابل ذلك من الممكن ان يبدع في مجالات أخرى مثل علم الجريمة و المهام البوليسية لانها تتطلب قدراً عالياً من الشك والتجرد المطلق من التعاطف وتمنح السيكوباتي الشعور بالرضا عندما يلقي القبض على المتهمين ويبدأ بالتحقيق معهم،تعذيبهم و اذلالهم والتلاعب بمعطياتهم بالاضافة الى شعور كبير بقيمة الذات من خلال استغلال صفته المهنية من اجل احساسه بالعظمة كما انه يكون لديه قدرة كبيرة على الاقناع و يستطيع ان يبدع في الادوار القيادية .
٣- السيطرة على مشاعر الإحباط بالاندفاع والعدوان دون التفكير بالنتائج.
٤- ضعف المشاركة الوجدانیة والعجز عن تقدير مشاعر الآخرين.
٥- هو شخص غير مسؤول ويستهتر بمشاعر الآخر رغم انه يبدو لطيفاً جدا عند اللقاء الاول .
٦- إذا ما أعتقد أنه يحب أحداً(امرأة مثلا) فهو يعتبرها ملكاً له وإن لم تكن أو اعترضه أحد فهو مستعد لقتلها.
٧- ليس لديه أي قدرة على التحمّل أو التفاهم مع أحد من خلال النقاش.
٨- لا يهتم بما تحرّمه الأديان أو ما تنص عليه القوانين.
٩- عدم النضج الانفعالي وعدم التوازن في التعبير عن الفرح، الغضب والحزن.
١٠- عدم القدرة على تأجيل تلبية الحاجات والرغبات بينما يتم إشباعها بشكل فوري ومتهور.
< رابعاً: التفسير البيولوجي للسيكوباتية من خلال المسح الضوئي للدماغ لفحص المجرمين والرنين المغناطيسي (الاشعة المقطعية و التصوير المقطعي) نستطيع الكشف عن صلة مباشرة بين قلة نشاط اجزاء معينة من الدماغ والسلوك المضطرب،فإن انخفاض نشاط قشرة الفص الجبهي يفسر ميل السيكوباتيون الى تجاهل القوانين و كذلك نقص نشاط القشرة الانعزالية يفسر انعدام تعاطفهم،أما الاندفاعية و التحقيق المباشر للرغبات دون القدرة على التحكم في الانفعالات فهذا مرتبط في اختلال وظيفة لوزة المخيخ.
< خامساً: هل كل من يمتلك هذه التشوهات الدماغية و الاختلال الوظيفي لأجزائه سيكون شخصاً سيكوباتياً؟!  
الاجابة هي لا، ربما يكون بعضنا يمتلك  الاستعدادات الوراثية والجينية لاضطرابات الشخصية،ولكن ما يحمينا و يجنبنا اياها هي التربية الوالدية و الدفء العائلي.فإن اي شخص منا اذا كان لديه هذا الاختلال ولكنه مولولد في بيئة عائلية صحيحة نفسياً منحته الحب والعاطفة منذ لحظة ولادته فلن يكون انسان مضطرب الى حد السيكوباتية على الاطلاق والابوة الدافئة قد تحول الطفل ذو الميول السيكوباتية الى شخص بالغ غير مؤذٍ تماماً. لنأخذ مثالا على ما اقول «جيمس فالون»الخبير في دراسة عقول المرضى النفسيين وبعد المسح الضوئي اجري لدماغه من اجل رصد مرض الالزهايمر عرض الفريق الطبي امامه مجموعة من الصور دون الكشف عن الاسماء وعندما وصل الى الصورة الدماغية الخاصة به قال ان صاحب هذه الصورة من غير الطبيعي ان يكون حراً لانه شخص معادٍ تماماً للمجتمع و قد يكون من اخطر القتلى..وبعد ان عرف ان هو صاحب هذه الصور اثبتت الدراسة ان ما جنّبه السيكوباتية هي الابويّة الدافئة التي تحدثنا عنها اعلاه ولكنه ابدع في الادوار القيادية منذ مراحل دراسية مبكرة. 
< سادساً: هل التربية الوالدية قد تكون سبباً في تكوين الشخصية السيكوباتية بعيداً عن الاستعداد الجيني والوراثي.
حتى لو لم يمتلك الطفل اسبابا دماغية للاصابة بالسيكوباتية،قد لا ينجو منها عند:
١-اهمال الاهل له. 
٢-تعليمه على الكذب و السخرية
٣-الاستهتار بمشاعر الاخرين 
٤-عدم تعاطف الوالدين معه او مع اي احد آخر. 
٥-استخدام العقاب البدني والعنف اللفظي 
٦-الرفض الابوي للطفل. 
٧-عدم التعرف على انفعالاته بالاضافة الى عدم تدريبه جيدا على التحكم في الرغبات او تأجيل الحاجات.
< سابعاً: كيف نميّز الشخص الخطير عن المسالم؟
«الثالوث المظلم» The Dark Triad ،ثلاثة اضطرابات شخصية اذا ما اجتمعت سوياً ستكون النتيجة امامنا، شخصاً مجرماً بامتياز وخطير جداً وهذه الشخصيات هي:
١-الشخصية النرجسية :شعور متضخم بأهمية الذات.
٢-الشخصية الميكافيلية : التلاعب و الكذب و الاستهتار بمشاعر الاخرين بالاضافة الى غياب الضمير.
٣-الشخصية السيكوباتية والاعتلال العقلي. 
< ثامناً: هل تظهر السيكوباتية فجأة؟
الاجابة هي نعم، فبعض الاحداث التي يعيشها الانسان خلال حياته نسميها في علم النفس بـ«الحادث المفجّر» وهذا الأخير تسبقه تراكمات نفسية ليظهر السلوك الاجرامي فجأة و كثيرٌ منا يسمع الناس تقول عن مجرم X (كان شخصاً عادياً ولا نستطيع تصديق ما فعله!!).
< تاسعاً: هل من علاج؟!
بالطبع نعم،و لكن نادرا ما يلجأ المصابون إلى المساعدة الطبية، ومع ذلك، يمكن جدا علاج ذلك الاضطراب من خلال اللجوء إلى الاستشارة الطبية والنفسية فبعد استبعاد الحالات المرضية العضوية، يقوم الطبيب النفسي بإجراء المزيد من التقييم لتشخيص الاضطراب وتحديد أسلوب العلاج الانسب للحالة وما تعانيه من اضطرابات اخرى.وللعائلة دور كبير في العلاج ذلك لانهم هم من يتخذون قرار اللجوء للاستشارة الطبية والنفسية في اغلب الاحيان.

(مختصة نفسية)