بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تموز 2023 12:02ص الإكتناز القهري …Hoarding Disorder Dysposophobia بين لذة الإقتناء ورهاب التخلي

حجم الخط
بحسب الدليل التشخيصي للامراض والاضطرابات النفسية يُعرّف اضطراب الاكتناز انه عندما يخزن شخص ما عددًا كبيرًا من الاغراض بطريقة فوضوية و«مرضية»، حيث لا يمكن السيطرة عليها من الفوضى…و يمكن أن تكون الاغراض ذات قيمة نقدية قليلة أو معدومة.
ويُعتبر الاكتناز إضطراباً إذْ:
تسيطرالفوضى على الحياة اليومية،على سبيل المثال: لا يستطيع الشخص استخدام المطبخ أو الحمام ولا يمكنه الوصول إلى غرف المنزل كما انها  تؤثر سلبًا حياة الشخص أو أسرته ، كما انهم يشعرون بالضيق إذا حاول شخص ما إزالة الفوضى ويمكن ان تصيبهم نوبات غضب خصوصاً اذا كان المصاب مسناً.
والعديد من الأشخاص الذين يقومون بالتخزين المرضي للاغراض بشكل متكرر لا يرون أنه مشكلة،بل على العكس يشعرون بالاهمية الذاتية لامتلاكهم الكم الكبير من المقتنيات والأغراض.
قد يدرك البعض أن لديهم مشكلة (اذا كان المصاب راشدا) ولكنهم يترددون في طلب المساعدة لأنهم يشعرون بالخجل الشديد أو الذنب حيال ذلك.
١-لماذا قد يخزن شخص ما كماً هائلاً من الأغراض والمقتنيات التي لا قيمة لها؟
< جسدياً:
قد يكون الشخص الذي يعاني من مشاكل في الحركة غير قادر جسديًا على التخلص من الكميات الهائلة من الفوضى والاغراض، وقد لا يتمكن الأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الأشخاص الذين يصابون بالخرف من تصنيف الأغراض والتخلص منها.
< نفسيّاً:
-اكتئاب حاد
-الاضطرابات الذهانية، مثل الفصام
-اضطراب الوسواس القهري OCD
-النقص العاطفي لدى المسن وشعوره بفقدان القيمة والوحدة
في بعض الحالات، يكون الاكتناز حالة في حد ذاته بسبب:
 حرمان كبير اثناء مرحلة طفولته: مادي وعاطفي .
لديهم تاريخ عائلي مرضي والاكتناز هنا يكون مُتعلَّم من الاهل أي انهم عاشوا في منزل فوضوي ولم يتعلموا أبدًا تحديد الأولويات وفرز الأغراض والتخلص من ما لا يلزم لدى العديد من هؤلاء معتقدات قوية تتعلق بتكديس الأشياء وعجز امام التخلص منها، لان أفكاراً عديدة تسيطر عليهم مثل : 
«قد أحتاج إلى هذا الغرض يومًا ما» أو «إذا امتلكت هذا، فسوف يسعدني ذلك». 
فإن تواجد تلك الأغراض دوماً امامهم تمنحهم شعور بالرضا مقابل شعورهم بالنقص،و هنا طبعا نحن نقصد النقص العاطفي والحاجة الى الشعور بالاهمية الذاتية.
وفي كثير من الأحيان، تكون العديد من الأشياء المحفوظة ذات قيمة نقدية قليلة أو معدومة وقد تكون ما قد يعتبره معظم الناس قمامة ولكن بين الشخص المصاب بهذا الاضطراب وبين تلك الأغراض ارتباط عاطفي قوي جداً. 
٢-ما الفرق بين الاكتناز والتجميع؟
يقوم العديد من الأشخاص بتجميع أغراض مختلفة  مثل الكتب أو الطوابع او العملات المعدنية النادرة، ولا يُعتبَر ذلك مشكلة او اضطراب  لان الفرق بين «الاكتناز» او «التجميع» هو كيفية تنظيم هذه الأغراض وطالما انها لا تسبب الفوضى ولا تسيطر على حياة الشخص الى درجة الهوس. 
٣-إن اضطراب الاكتناز لا يقتصر على تخزين أغراض بلا حيوانات ايضاً!
تحدثت أعلاه ان السبب الرئيسي لهذا الاضطراب هو الحاجة العاطفية لذلك فقد اذا كان المصاب محباً للحيوانات الاليفة فتكون لذة الاقتناء هنا من خلال تربية الكثير من القطط او الكلاب داخل المنزل وقد يجيد الاهتمام بهم وبصحتهم وربما لا،و لكنه لا يعترف ابدا بذلك بل على العكس اللذة هنا تتحقق لديه بمجرد النظر الى كثرتهم حوله وانه متواجد بين مجموعة.
في اغلب الأحيان الأغراض التي يتم اكتنازها لدى هؤلاء تقتصر على:
-جرائد ومجلات
-الكتب
-ملابس
-المنشورات والخطابات 
-الفواتير والإيصالات
-حاويات، بما في ذلك الأكياس البلاستيكية وصناديق الكرتون
-اللوازم المنزلية
٤-لماذا يُعتبر اضطراب الاكتناز القهري مشكلة؟
يمكن أن يكون اضطراب الاكتناز مشكلة لعدة أسباب، لانه يسيطر على حياة الشخص، مما يجعل من الصعب عليه التنقل في منزله. ويمكن أن يتسبب ذلك في صعوبة تنظيف المكان،استقبال الزوار او حتى استقبال عمال الصيانة اذا ما حدثت أي اعطال في المطبخ مثلا.
و هذا سبب كاف للانعزال والشعور بالوحدة، بالإضافة الى ان التجميع هذا سيجلب الجرذة والحشرات وسيعيش هذا الشخص في ظروف صحية سيئة جداً. 
نرى الكثير من المسنين يأخذون أي شيء يجدونه مرمي في المستوعبات في الشارع،و حجتهم دائما ان هذا الغرض له قيمة وفوائد يجهلها صاحبه,كما ان هؤلاء المسنين يتعمدون الظهور في الشارع في اسوء حال للفت انتباه المارّة واستعطافهم،ولا علاقة هنا للحاجة المادية والعوز رغم عدم تقصير الأبناء (مادياً) بينما الحاجة العاطفية الماسة ليكون أي احد الى جانبهم .
٥-ما يمكنك ان تفعله إذا كنت تشك أن أحد أفراد العائلة وخصوصاً احد الوالدين بدأت اعراض اضطراب الاكتناز القهري بالظهور عليهم :
قد لا يكون هذا سهلاً، حيث قد لا يعتقد الشخص في البداية أنه بحاجة إلى المساعدة او ان سلوكه مرضي،حاول أن تكون عطوفاً تجاه هذه المشكلة وركز على مخاوفك بشأن صحتهم ورفاهيتهم..
- طمأنهم بأن لا أحد سيذهب إلى منزلهم ويلقي بكل شيء.
- فكر في الفراغ الذين يعيشونه في غيابك عنهم.
- حاول ان تكثر الجلوس معهم وان يتخلل هذه الجلسات حوارات عديدة .
- ركز على ذكرياتهم وعما قدموه لك في الماضي.
- حاول ان تجمعهم بمسنين اخرين (احد الأقارب او الجيران).
- عبّر لهم دائماً عن محبتك لهم وانك دائما، هنا من اجلهم.
- حاول ان تخرجهم من المنزل برفقة من يحبون.
- حاول ان تجد الأنشطة المناسبة لهم والتي تتلائم مع هوايتهم .
- عليك ان تشركهم دائماً بعملية التنظيف وان تسألهم عن حاجتهم للغرض دون تحقيره او السخرية منه.
- تجنب رمي أي غرض من اغراضهم دون اخذ اذنهم او دون علمهم .
قارئي العزيز، هذه الارشادات تفيد في مساعدة المصاب سواء كان راشداً أم مسنّاً ولكن عليك ايضاً ان تستشير الطبيب النفسي او المعالج النفسي فقط من اجل ان تتأكد من سبب لجوء قريبك الى الاكتناز لانه كما ذكرنا قد يكون السبب لا يقتصر على الحاجة العاطفية بل بسبب بداية امراض الشيخوخة او عارض من اعراض الذهان 
قد يكون طبيبك العام قادرًا على إحالتك إلى الطبيب المختص حسب الحالة، والذي قد يكونعلى دراية بباقي الاضطرابات النفسية مثل الوسواس القهري ومرض الذهان .
٦- هل يمكن علاج اضطراب الاكتناز القهري؟
ليس من السهل علاج اضطراب الاكتناز، حتى عندما يكون الشخص مستعدًا لطلب المساعدة، ولكن يمكن التغلب عليه.
العلاج الرئيسي هو العلاج السلوكي المعرفي (CBT). 
اذ ان المعالج يساعد الشخص على فهم ما يجعله عاجزا عن  التخلص من الأشياء وأسباب تراكمها.
سيطلب منه تنفيذ بعض المهام العملية ويضع بمساعدته خطة للعمل عليها. 
ثبت أيضًا أن الأدوية المضادة للاكتئاب التي تسمى مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية  تساعد بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الاكتناز لانهم أساسا يعانون من مرض الاكتئاب ومنذ البداية وهذا العلاج الدوائي نكرر انه يكون فقط تحت اشراف الطبيب المختص والمسؤول عن الحالة.
و الدواء هنا لا يلغي ابدا أهمية الخضوع الى جلسات علاج نفسي «سلوكي « 
لان العلاج المعرفي السلوكي سيكون على مدى فترة زمنية محددة من اجل تغيير السلوك المرضي كما ذكرنا من خلال فروض منزلية والعمل مباشرة على التخلص من الفوضى.
كلمة أخيرة الى قارئي العزيز…من خلال الاكتناز القهري والداك يقولان لك بلغة تعبيرية حتى وان كانت مرضيّة  «نحن بحاجة ماسة إليك!»

(مختصة نفسيّة)