بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الثاني 2022 12:00ص أَنحني أمام حـــوار الأديان

حجم الخط
أنحني أمام مساعي قداسة الحبر الأعظم وفضيلة شيخ الأزهـــر لما يقومان به من مساعٍ حوارية تُعرف بـ«حوار الأديان» وهذا الحدث يكتسب أهمية وزخماً وكلي أمــل أنْ يُفلح في تأمين أرضية صالحة للشعوب ولكي تعيش بأمان. بالنسبة إليّ التعاون بين الأديان ليس خياراً هامشياً بل هو أمر حتمي لإنماء البشرية. كما هو بالنسبة إليَّ وفريق عملي مدخل في عمليات الإغاثة الإنسانية الذي يؤدي إلى تعاون مباشر لحل جميع المشاكل العالقة وكل أشكال التمييز والتي من شأنها تعزيز ما يُعرف بالإلتزام المشترك بين الأديان المختلفة ولا يسعُني إلاّ الوقوف إجلالاً أمام مداخلة البطريرك الراعي في حضرة جلالة ملك البحرين في أعمال ملتقى البحرين للحوار.
بالإشارة للقارئ الكريم نلفت النظر وهذا من أوْلى واجباتنا لأسبوع الوئام العالمي بين الأديان الذي إنعقد في شباط الماضي من اليوم الأول من شهر شباط ولغاية السابع منه، حيث أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة أسبوع الوئام بين الأديان في قرارها رقم 5/65 الذي إتخذ في 20 تشرين الأول من العام 2010، كما ألفتْ نظر القارئ الكريم وكل مهتم بأصول الحوار لما أشارت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها إلى التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان لأنهما يشكّلان بُعدين هامين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، وهذا ما جعل الأسبوع العالمي وسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظر عن ديانتهم. كما أود الإشارة إلى ما يلي إعترافاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالحاجة للحوار بين مختلف الأديان ولتعزيز التفاهم المتبادل والإنسجام، تُشجّع الجمعية العامة جميع الدول إلى دعم هذا الأسبوع لنشر رسالة الإنسجام والوئام من خلال كنائس ومساجد العالم وغيرها من أماكن العبادة، على أساس طوعي ووفقاً للقناعات والتقاليد الدينية الخاصة بهم... كلّي أمل وثقة أن تشمل هذه الدعوة الشعب اللبناني ولممارستها وفقاً للأصول.
من المؤسف في لبنان أنه لم يجرؤ أو يتمكّن أحد من تخطي الحواجـــز التي إفتعلها من يُمارسون السياسة من تقصّي الحقائق بموضوعية بعيداً عن الخلفيات السياسية التي يُحاولون فرضها لغاية سيئة وهي ضرب صيغة العيش المشترك فيما بين الشعب اللبناني، فأخفوا الحقائق وتشبّثوا بما لديهم من مفاهيم ورثوها عن سياسيين مارسوا سياسة العار والنكد، وأبوا رفضها دون جدال أو مناظرة، أو حجة أو مؤازرة حتى كمّتْ أفواه الغيارى المعارضين لهذا النهج القائم، وصمّتْ الآذان عن قبول أي فكرة ولو بالحوار. لنكون أمام نتيجة أنّ كل لبناني يقرأ ليؤيد ويبلور ويصقل فكرته فحسب لا ليعكس من خلال قراءته الحق والباطل إلى مرآة فكره، فيصقل ما يمكن صقله ويكسر الباطل الذي طالما وقف حاجزاً عائقاً عن إقتحام العرف السائد ألا وهو تغذية الخلافات الطائفية والمذهبية التي كلّفتنا الكثير من المشاكل والقتلى...
بناءً على ما تقدّم وإيماناً مني بضرورة إجراء حوار في لبنان الذي يتضمن الدعوة إلى إكتشاف المساحة المشتركة حتى يتُّمْ بلورتها بشكل إيجابي من أجل الإنطلاق منها مجدداً لأنني أعتبر أنّ الثقافة الحوارية هي عبارة عن عادات وتقاليد ومعتقدات المجموعات التي يتكوّن منها نسيجنا اللبناني والتي يمتاز بها. فالحوار بالنسبة إليَّ هدفه التفاهم والتلاقي على مساحات مشتركة وأهداف إنسانية عامة لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو الطائفة أو المذهب، ولتلك الأسباب أوعزت إلى مكتبنا في لبنان من أجل تشكيل لجنة «للحوار الوطني» من شأنها تصويب الأمور ضمن مفاهيم موضوعية وطنية نحن بأمسّ الحاجة إليها.
وصيتي إلى اللجنة المنوي تشكيلها وفقاً للثوابت الوطنية ووفقاً لما أشرت إليه أعلاه من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة إنّ الحوار البنّاء يحتاج إلى نفس طويل ورباطة جأش وقوة وإنصاف الآخر وقول الحقيقة بتجرُّدْ، والحوار في «قاموس المجبر» لا يجعل من المتغيّرات ثوابت ولا يُقدِّس غير المقدّس ولا يعرف التعصُّب الأعمى ولا يرمي الشعب اللبناني بالبهتان والضياع على ما هو قائم اليوم ولا يخرج عن الموضوعية إلى غيرها قصد إحْراج المحاور أو إسكات صوته بالباطل ولا هروباً من الموضوعية. أهدف من خلال هذه اللجنة تحقيق السلام الإنساني في لبنان وإحترام الخصوصية الدينية والثقافية والعادات والتقاليد والأعراف المستقرة... فإلى الحــــــــــــــــــوار دُرْ وإنحنوا أمام الحـــــــــــــــــوار البنّاء.

* سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة