بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 شباط 2023 12:00ص أوقفوا الشقاء عن المواطن العربي؟!

حجم الخط
يطالبني عدد من الأهل والأصدقاء المقرّبين بالتوقف عن حمل الهموم السياسية، أنه مضنٍ وقاتل وعلى المواطن الإنسان أن يبتعد عن كل الهموم ويحاول العيش براحة متناهية وهدوء إنقاذا للنفس وللبدن معا خاصة عند عبور سن الشيخوخة، وجوابي الحاسم لهؤلاء الأحبة: أوقفوا الشقاء العربي على العربي نفسه، أوقفوا ظلم ذوي القربى الذي هو أشدّ مضاضة من مظالم الأعداء أحيانا، وأغلقوا سجون أنظمتكم بحق رواد الرأي والثقافة والتعبير والمفكرين والصحافيين والفنانين والذين يخالفون رأيكم تجاه أمور وطنية وتتعلق بإدارة السلطة وتصحيح مسارها عند الاقتضاء، فهذه الأمور وأمثالها هي قوة للدولة وللنظام واستقرار الحياة الوطنية، فالمواطن السويّ لا يعمل للأضرار بوطنه وبنظامه وبهذه الروح تُبنى الأوطان وتشتدّ أواصر الدول التي تجعل من حقوق المواطن ومشاركته بالحياة العامة أمرا يمنحه العزّة والكرامة والتضحية والعطاء بدون حساب، بدل رميه بالسجن وإنزال أشدّ وأقسى أنواع العذابات والانتقام منه بخلفية الحقد والفرز العنصري والطائفي والمذهبي والسلطوي. أوقفوا صراعاتكم وحروبكم ضد بعضكم البعض ولا تنعتوها بالثورة والثوار، وهي في حقيقتها انقلابات من أجل السلطة والتسلط وتهجير المواطنين وتدمير العواصم والمدن والبلدات وتترك حروبكم العبثية مدفوعة الأجر من الخارج بالأموال وتكديس السلاح وتجميع المرتزقة من شتى دول العالم الذين يتربصون بأوطانكم وشعوبكم وثروات بلادكم ويعملون على كل ما يمدد حروبكم العبثية التي يصورونها لكم أنها ثورات كبرى ستأخذ البلاد إلى البناء والتقدم وهم في الحقيقة لا يصنعون إلّا خراب أوطانكم وبلادكم والسيطرة على ثرواتكم ويعرقلون كل الحلول التي يتداعى الإخوة والأصدقاء ومحبي السلام داخل الوطن الواحد للوصول إلى المصالحة بين المتصارعين لكنهم يعطّلون كل مسعى للصلح ووقف الصراعات والنزاعات، انها أمور باتت مكشوفة ومعروفة وسياسة مكيافيلية خارقة سقطت وعلى الشعوب والقادة الوطنيين حقا  الإنتباه جيدا لما يخطط للدول العربية من مؤامرات والعودة بالمنطقة إلى زمن الاحتلالات وتقسيمات الأوطان والأمم مثل ما حصل بعد الحرب العالمية الأولى: سايكس - بيكو البريطاني والفرنسي ووعد بلفور الاستعماري الذي مكّن الصهاينة من احتلال فلسطين المقدسة أرض الأنبياء وأولى قبلتي المسلمين ومهد السيد المسيح، احتلوا المنطقة العربية تحت عناوين الانتداب والدولة المنتدبة للمساعدة في إدارة كفة الأوطان في دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وعادت ودفعت الشعوب الأثمان الباهظة والدماء الغزيرة من أجل استعادة حريتها ونيل استقلالها والانتباه من العدو والصديق معا الذين هم ماضون لإقامة قواعد عسكرية فوق الأرض العربية ومد النفوذ وتوسيعه لمسك العواصم والأوطان وتقسيم الشعب إلى طوائف ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان.
أن أخطر ما يجري بأوطاننا العربية حاليا تهجير الشعب من أرضه، هكذا احتلوا فلسطين بتهجير أهلها ومواطنيها، وهكذا يهجّرون مواطني الدول العربية إلى بلدان مجاورة وأخرى في قارات بعيدة هربا ونزوحا ولجوءا ويصبحون رهينة لدى الدول المستقبلة اعداد المهجرين، يقول عالم اجتماع مصري مشهور أن مصر الفقيرة تستضيف حاليا نحو عشرة ملايين لاجئ بينهم 5 ملايين سوداني، و3 مليون سوري ومليون عراقي ونصف مليون فلسطيني، ويضيف أن ثمة 10 مليون إنسان هاربون من بلدانهم وليس من أعدائهم بل هم مشرّدون سياسيون يفرّون من بلدانهم ويملأون البحار والبراري جثثا وأطفالا وزوارق بلاستيكية ويقول صحيح أن العروبة تضامن وتعاضد وواجب أخوي لكن الواجب لا يقسم، وإذا كانت مصر قادرة في حجمها وتعدادها على استيعاب عشرة ملايين نفر آخر فهذا ليس حال لبنان والأردن والدول الصغيرة عددا ومساحة.
ويسأل الصحفي سمير عطا الله ما الذي يجعل بلدا في حجم العراق وخيراته وثرواته بلد هجرة بدل أن يكون بلد طمأنينة واستقبال؟ وبلد كسوريا قد غادرها 12 مليون مواطن معظمهم من أهل الطاقات والكفاءات؟ والعالم أجمع يتعامل مع قضية اللاجئين وكأنها مسؤولية البلدان المستقبلة ولا مسؤولية اطلاقا على دول الأبعاد وهذا ما يجعل المأساة تتقادم وتتمادى وتطول أنها المأساة العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين كما كانت مأساة القرن الماضي في تشريد شعب فلسطين، من قبل إسرائيل وقدر هذا الشعب متروك مؤخرا لمصيره داخل أراضيه المحتلة والكل كبيرهم وصغيرهم يقاتل حتى الاطفال والفتيات تقاوم وتقاتل تحت سمع وبصر كل العرب حكاما ومحكومين.
أن ما هو قائم داخل دولنا العربية من نزوح وتهجير ومهاجرين لدول عربية وأخرى أجنبية هو ذاته قائم في ليبيا، والسودان وقد يتوسع ليشمل بلدانا عربية أخرى طالما الاهتمام بهذه الكوارث ليس على مستوى الأخطار الناجمة عنها وعن نتائجها. فيا أمة العرب شيء من الغضب ومن الصحوة المطلوبة، أن نكبة التهجير والتشريد وما يتبعها من ذل ومجاعة وصراعات أهلية بين المواطنين يفرض على جامعة الدول العربية الدعوة لعقد مؤتمر قمة عربية عاجل يتولى سريعا وضع حلول عاجلة لإعادة البناء خاصة بعد حصول الزلازل بكل من سوريا وتركيا وما تركته من عواقب خطيرة وإنهاء سياسة المقاطعة مع سوريا وإنهاء حرب اليمن العبثية والعودة إلى التضامن العربي الذي صنع حرب العبور فلا بناء ولا حلول بعوامل التجزئة والصراعات لكن بالتضامن والتعاضد العربي يتحقق البناء والإعمار والانتصار وعدة الأمة في كل ذلك هي الإنسان العربي فامنحوه أمنه واستقراره، وحريته وسعادته ليصنع العجائب.