بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 آب 2023 12:00ص أيلول طرفه «بالحل» مبلول

حجم الخط
يقول المثل الشعبي «أيلول طرفه بالشتا مبلول» وهو مثل كان يقوله المزارعون الذين ينتظرون الشتاء (الخير) بفارغ الصبر بعد أيام الصيف الحارّة، ويقولونه من باب: تفاءلوا بالخير تجدوه. وأنا أقوله من باب التفاؤل بالخير بعد زيارة الموفد لفرنسي لودريان ودعوته اللبنانيين للتشاور فيما بينهم قي شهر أيلول لاختيار رئيس للجمهورية وإنقاذ لبنان.
فقد غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت بعد زيارة لمدة ثلاثة أيام أجرى خلالها اتصالات مع ممثلي الشعب اللبناني من البرلمانيين وغبطة البطريرك الراعي بتكليف مزدوج من الرئيس الفرنسي شخصيا وبالنيابة عن المجموعة االخماسية، ناقلا لهم إضافة إلى البيان الذي صدر عنهم قرار اللجنة الذي يطالبهم بانتخاب رئيس للجمهورية وإجراء الاصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان، وفي حال الرفض ستتخلّى هذه الدول عن وساطتها لدعم لبنان محمّلين النواب المعرقلين المسؤولية عن انهيار لبنان مع التلويح بإمكان فرض عقوبات عليهم.
ولأن لودريان كان يعرف سلفا أجوبة معظم المسؤولين الذين التقاهم ومحاولة منه لاستباق فشل مهمته، فقد حمل معه ما تفتقت به عبقريته من دعوة للتشاور، وليس للتحاور، حول مواصفات الرئيس العتيد دون الدخول في التسميات وذلك لتجنّب الإشارة سلبا أو إيجابا لمرشح الثنائي الشيعي، ولكن سها عن بال الموفد الفرنسي أن بيان اللجنة الخماسية كان قد أشار إلى هذه المواصفات، وحسب بيان اللجنة «لا بد أن ينتخب لبنان رئيساً للبلاد يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكّل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي». غير أنّ الثنائي الشيعي اعتبر نفسه غير معني بمضمون البيان، حيث أنّ شرط حزب الله الوحيد بالرئيس العتيد: «أن لا يطعن المقاومة في الظهر» وهذا الشرط بنظر الثنائي الشيعي ينطبق فقط على شخص الوزير السابق سليمان فرنجية.
ولكن كيف كانت ردة فعل الأفرقاء اللبنانيين على الطرح الفرنسي القاضي بالدعوة للتشاور فيما بينهم في شهر أيلول القادم؟
غبطة البطريرك الراعي لم يرق له هذا الاقتراح، فأشار في عظة الأحد إلى: «هل من أحد يشرح لنا لماذا لا يلتئم المجلس النيابي في جلسات متتالية بدوراتها لانتخاب رئيس للجمهورية بحسب المادة 49 من الدستور؟... وهل من يشرح لنا الغاية من ترحيل هذا الاستحقاق الأساسي لقيام مؤسسات الدولة الى شهر أيلول؟» وهذا المقطع موجّه أساسا للرئيس نبيه بري ولكن يمكن توجيهه أيضا للسيد دريان لأنه بمجرد أن دعا النواب للتشاور خلال شهر أيلول فهذا يعني أن لا جلسات خلال شهر آب. وكذلك رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي لم يخفِ استغرابه من تأجيل اجتماعات المجلس لشهر أيلول.
أمّا حزب الله فقد كان مرحّبا بهذا الاقتراح رغم تحفّظه على بيان اللجنة الخماسية.
ولكن للموفد الفرنسي أسبابه لتأجيل التشاور، فهو يأمل أنه خلال شهر من التفكير، ربما اقتنع الأفرقاء (الأخوة الأعداء) على مواصفات الرئيس العتيد، وذلك تحاشيا لفشل يخشى الفرنسيون الوقوع به، وهذا لا يعني أنه بعد هذا الشهر سيضمنون النجاح. فالمسألة لم ولن تتغيّر. فجميع الأفرقاء ما زالوا على نفس التوجه.
وبانتظار قدوم شهر أيلول يسعى كل فريق لتحصين أو تحسين موقعه. فالنائب جبران باسيل استغل عودة التحاور مع الحليف القديم حزب الله ليقدم عروضا، أقل ما يقال فيها مليئة بالغرور واللامنطق، إلّا إذا كان يعتبر من يحاورهم أغبياء ويتهافتون للحصول على رضاه. فهو قبل أن يصل فرنجية إلى بعبدا ويعلن دعمه له يريد سلفا ثمنا باهظا، وهو يعتبر مجرد قبوله بمرشح الثنائي الشيعي تنازلا هاما من قبله، وهذا التنازل محدود ولمدة ست سنوات فقط والثمن تحقيق مطالبه وهي: (1) لا مركزية إدارية ومالية، و(2) تسليمه الصندوق السيادي الائتماني، (3) برنامجا إصلاحيا للرئيس العتيد. وهي مطالب لم يحققها في عهد عمّه أو عهده هو كونه كان رئيس الظل. ولا أحد يعلم كيف يمكن أن تتحقق هذه المطالب سلفا. وكأنه يعتبر نفسه أنه هو من يصنع الرئيس الماروني ويعرضه على حزب الله ليقبض الثمن.
ولكن حزب الله يعلم جيدا ماذا يخفي باسيل خلف هذه المطالب، فهو يعلم جيدا أنها مطالب تعجيزية لا يمكن تحقيقها في سنوات، وهي يريدها سلفا، أي قبل انتخاب الرئيس، ويعلم الحزب أيضا أنها نوع من التورية لمطلبه الحقيقي والكامن في شروطه وهي مدة الست سنوات التي منحها كتضحية منه ليؤيد مرشح حزب الله، وما يقصده باسيل واضح: ماذا بعد عهد فرنجية (السنوات الست التي حدّدها كتضحية)؟ فإن وعده السيد حسن نصر الله بالرئاسة بعد عهد فرنجية فهو سيؤيد فرنجية وبالصوت العالي. وعلى الأرجح فإن حزب الله، وهو بحاجة فعلا لأصوات نواب باسيل ولكنه لن يخضع لشروطه ولا لابتزازه، لأنّ حزب الله بحاجة أيضا لضمان النصاب القانوني، أي الثلثين. وبالتالي فإنّ تأييد باسيل لمرشح حزب الله الوزير فرنجية في حال حصل باسيل على ما يريد من الحزب، تبقى غير مضمونة النتائج، لأن النصاب يمكن أن يطير في الدورة الثانية، وإن طار النصاب، فيكون باسيل قد حقق غرضه بوعد نصر الله له بالرئاسة دون أن يصل فرنجية إليها، ولهذا يمكن أن يستمر الحزب بالتواصل مع باسيل للتوصل لحل يرضي الطرفين.
أما موقف الفريق الآخر وأقصد المعارض لفرنجية، فرغم تحفّظهم فهم ينسقون فيما بينهم لتوحيد موقفهم من المبادرة الفرنسية، ولا يريدون أن يكونوا كبش فداء لتحقيق أهداف حزب الله بانتخاب فرنجية في الدورة الثانية، ويطرحون أسئلة مشروعة، مثل: أين سيكون الاجتماع للتشاور في البرلمان أم في السفارة الفرنسية؟، وهل يضمن الفرنسيون استمرار النصاب في الدورات التي تلي الدورة الأولى؟ والمعروف أنّ الرئيس نبيه بري لا يكترث كثيرا بالضغوط التي يمكن أن تمارس عليه إن لم يكن مقتنعا، فإذا لم يضمن الرئيس بري فوز فرنجية في الدورة الثانية فهو سيطيّر النصاب، وبالتالي فأن موقف الفريق المعارض لفرنجية سيكون ملتبسا، بل ربما قاطعوا التشاور، فهذا الفريق يريد، مثلما يريد البطريرك، جلسة بدورات متتالية دون تطيير النصاب للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية العادية إن لم ينل أي مرشح أكثرية الثلثين في الدورة الأولى، أمّا الثنائي الشيعي فموقفه واضح: لا دورة ثانية إلّا إذا تأكدوا من فوز الوزير فرنجية، سواء قبل الفرنسيون أو رفضوا ذلك أو قبلت دول اللجنة الخماسية أو رفضت. فكما نجح الثنائي الشيعي في فرض انتخاب الرئيس السابق ميشال عون بعد تأخير استمرّ لمدة تزيد عن السنتين، فهو على استعداد لتأخير انتخاب الرئيس لمدة تتجاوز السنتين لـتأمين انتخاب سليمان فرنجية. فهم يعلمون تمسّك السيد حسن نصر الله بترشيح الوزير سليمان فرنجية ويعلمون ما يخبّئ لهم الرئيس بري من أرانب.
أما ما أشار إليه بيان اللجنة الخماسية عن «احتمال» فرض عقوبات على المعرقلين، فهي من باب التهديد لا أكثر ولا أقل، وجميع النواب مقتنعين انها فقرة لن تطبق على أي نائب.
فمع قدوم شهر أيلول هل يتغيّر واقع الحال، فهل يكون طرفه «بالحل» مبلول ويحقق لودريان المعجزة ويصار إلى إنقاذ لبنان؟!
ولكن يبقى الأمل بان يحمل أيلول البشرى ببداية الخير العميم..
فإذا لم يكن طرف أيلول بالحل مبلولا فالانتظار سيطول.