بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 نيسان 2024 12:11ص إعدام المستشفيات

حجم الخط
أقسى قرار، بل أفظع قرار، تتخذه حكومة إسرائيل، هو إحراق المستشفيات، على كامل تراب غزة والقطاع.
تجتمع الحكومة الإسرائيلية، وتتخذ قرارا بالإجماع، بإحراق مستشفى الشفاء في غزة، والإنسحاب منه بعدما تكون قد تركته قاعا صفصفا. فقط، مئتي قتيل وخمسمائة أسير، تعترف بهم إسرائيل. وأما ما تحت الركام، فهو بالآلاف. وأما تحت الشقوف والجدران، ما لا يعدّ ولا يحصى من الجثث المتعفّنة التي لم تجد طريقها للدفن، بل جرفت مع الردم إلى البحر، فصارت جزءا من حقول النفط والغاز والورد.
تقول إسرائيل، بالفم الملآن دون أن تشعر بالعار الإنساني، إنها ارتكبت محرقة عظيمة، بحق الأطفال المرضى، بحق الأطفال الخدّج، بحق النساء والشيوخ والعجّز. تقول إنها قتلت المئات، واقتادت المئات، وأحرقت أنابيب المصل وأكياس الدماء، وعلب الدواء، أحرقت الأسرّة بمرضاها، ثم أشعلت المبنى كله بمن فيه، بحثا عن قادة حماس. فإرتكبت أعظم محرقة في العالم الحديث والقديم. إرتكبت أعظم هولكوست، في تاريخ الإنسانية جمعاء.
في الأول من نيسان، 2024, يكون العالم كله، قد إستفاق على أعظم جريمة إبادة جماعية، على أعظم وأفظع جريمة ضد الإنسانية، دون أن يرف لقادته جفن، دون أن يشعروا بأي مسؤولية، ولا بأي خجل ولا حياء. يكون العالم كله قد تغيّر: عالم ما قبل غزة، وعالم ما بعد غزة. هكذا تكون إسرائيل قد سطّرت تاريخ العالم الجديد بالدماء.
بدأت إسرائيل، بعد مرور زهاء نصف عام وأكثر، على حربها على غزة والقطاع، بإعدام المستشفيات. إتخذت قرارا بإعدامها كلها، في جميع مدن القطاع. ردّت على حل الدولتين، بإحراق القطاع، بهدم مدنه واحدة واحدة. فهذه مدينة رفح تتخذها إسرائيل، هدفا جديدا لها، بعد إبادة غزة، بعد إعدام مستشفياتها، واحدة واحدة.
كيف تتحمّل إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية وحدها؟ أين شركاؤها في الجريمة؟ أين اللاعبون الكبار معها؟ أين الدعم العسكري واللوجستي، وهو بالأطنان؟! أين تزويدها بالأسلحة الجديدة، بكل أنواع الأسلحة الجديدة، بالطائرات المسيّرة، وبالطائرات التي تحط وتقلع، بلا مدرجات، بلا مطار؟
بئس العالم الحر هذا، من جرائم إبادة الشعب في غزة، من جرائم إعدام المستشفيات وإعدام الجامعات، وإعدام المدارس، وإعدام دور الولادات ودور العجزة ودور الإيواء. بئس العالم أجمع، ينظر إلى الجرافات الإسرائيلية، كيف تجرف جثث أهالي غزة بالآلاف، وتردم بها البحر، تحرس بها البحر، طمعا بها، طمعا بنفطها. فلا تقولوا إن غزة، لا تستحق الحياة.
إعدام المستشفيات في غزة، مقدمة لإعدام مدن القطاع. فها هي الجرافات تعمل في المدينة، على هدم ما تبقّى من سقوف وجدران، وجعلها ردما، وجعلها ركاميات، ودفنها في البحر، لتغطية الأهداف التي قامت الحرب عليها.
فهذه الحرب، هي من نوع الحروب المختلفة، للإستيلاء على ساحل غزة، على الشاطئ والبحر، وعلى حقول الغاز والنفط، وعلى حقول الورد وعلى بيارات الليمون والبرتقال.
لماذا لا تصرّحوا علنا لملايين الشهداء: أن هذه الحرب لا تنتهي، إلّا بإقامة القواعد العسكرية التي تحرس منصات الغاز والنفط، وتستقبل البوارج والسفن والأساطيل: البحرية والجوية والبرية. فتركة حرب غزة ثمينة للغاية، وقد أُبيد شعبها عن بكرة أبيه، تحت جميع أعين العالم، وما وجد لهذا الشعب من يحميه، من جريمة الإبادة الوحشية في مطلع الألفية الثالثة!
إعدام المستشفيات في غزة، نذير شؤم للغاية. وليست المفاوضات على الأسرى، إلّا كذبة دولية، إلّا كذبة إسرائيلية، إلّا كذبة أممية. ليست المفاوضات على وقف الحرب في غزة، إلّا من نوع الأكاذيب الجديدة، لتمرير الوقت، بعد إقامة القاعدة العسكرية على الشاطئ، بحجة السانسول، والتحضير لأعمال الإغاثة.
تراهم يرمون علب الإغاثة التالفة من الجو، فوق البحر طعما للأسماك والجوعى، ثم يرسلون القذائف على منتظري المساعدات، فيحرقونهم، قبل أن تمتد أيديهم إليها. ما هذا الجنون العالمي؟! ما هذا الجنون الإسرائيلي؟! هل نحن أمام أعظم مسرحية دولية في التعاطف الكاذب على جثث الآلاف، بل الملايين من شهداء الرغيف في غزة!
ما هذا الفجور الإسرائيلي والعالمي؟! ما هذا التوحش الذي لا يرحم، الذي لم يعرف التاريخ الإنساني في الحروب، نظيرا له؟!
فهل أصبح الشعب الفلسطيني في غزة، من الهنود الحمر، في المتحف الإستعادي للدماء وللمحرقة؟! هل رشح اليوم كل الشعب الفلسطيني للإبادة، من بوابة الحرب الكذوب على غزة؟!
إعدام المستشفيات في غزة، إنما هو التأسيس من جديد على الخرائب، إنما هو محو جديد للتاريخ وللجغرافيا، إنما هو شطب لحق هذا الشعب المنكوب من الوجود، تماما كما جرى لأخوتنا الهنود، شطب لحقّه في الأرض،  لحقّه بحقول النفط والغاز في بحره وفي البر، كما سائر شعوب الأرض، كما سائر الأوطان.
إعدام المستشفيات الفلسطينية في غزة، إنما هو مقدمة، لشطب الهوية والمكان، لشطب حقوق الإنسان! فهل يسكت العالم على جرائم التاريخ الجديد؟.. وما هي الحصص.. ما هي الأثمان؟!