بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الأول 2021 12:02ص إلى تمّام سلام: سليل العائلة البيروتية العروبية الوحدوية لا يتقاعد!

حجم الخط
دون أي تصريح أو إعلان رسمي صادر عن الرئيس تمام سلام، يتمّ التداول تواتراً وهمساً نيته عدم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة في بيروت، وإن صحّ هذا، تكون السنيّة السياسية التي تتعرض لعملية استهداف ممنهج في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ الكيان اللبناني، قد تلقت تصدعاً إضافياً وهو ما سيطال موقعها ودورها التاريخي التأسيسي للكيان عبر استهداف مركزيتها مباشرة في العاصمة بيروت، والذي كان والده الرئيس الراحل صائب سلام أحد أبرز المؤسسيين التاريخيين للمرحلة الاستقلالية.

•  تمام سلام سليل العائلة السياسية العريقة.

تمام سلام هو سليل العائلة السياسية العريقة بوطنيتها وعروبتها، فجده لوالده سليم علي سلام رائد الوحدة السورية والعربية كان شخصية بيروتية نافذة في مطلع القرن العشرين، تميز بنظرته المستنيرة وقدرته على التواصل الفعّال مع معاصريه فانتُخب رئيساً لبلدية بيروت المحروسة سنة 1909، كما تولى في نفس السنة رئاسة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وفي سنة 1912 تولى رئاسة مؤتمرات الساحل الوحدوية.

بعد سيطرة الاتحاديين الأتراك وخلع السلطان عبد الحميد الثاني، تغيرت سياسة الباب العالي تجاه أهل الشام، وبدأت حركات التحرر العربية تلوح بالأفق، وانضم سليم سلام إلى المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913، وساهم بتأسيس جمعية الإصلاح البيروتية التي دعت إلى اللامركزية والتحديث في السلطنة العثمانية والمناهضة للقمع السياسي التركي في الشرق، وفي سنة 1918  استطاع الملك فيصل بن الحسين الهاشمي، من الدخول إلى دمشق، منهياً حكم الاتحاديين الأتراك للمنطقة، بعد نجاح الثورة العربية، فأسس الحكومة العربية الكبرى، وكان سلام أحد أعضائها، ومديراً لمكتبها في بيروت، في حين أنه انضم للمؤتمر السوري العام، في دمشق سنة 1919  ممثلاً عن بيروت مع جميل بيهم، وأمين بيهم، وعارف النعماني، وجورج حرفوش.

بصفته معارضاً صريحاً للانتداب الفرنسي، تمّ اعتقال سليم سلام مرتين: مرة في عام 1919 عندما تمّ سجنه لمدة 4 أشهر، والمرة الثانية عام 1922، عندما نُفي إلى قرية « دوما « في شمال لبنان لمدة خمسة أشهر.

في شهري تشرين الثاني من عام 1933 وآذار 1936 نظّم وترأس سليم سلام تجمعين شعبيين عرفا بـ«مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة» تم التنديد خلالهما بالحكم الفرنسي وطالبا بالاستقلال والوحدة العربية.

استمر سليم سلام في عمله السياسي القومي والإسلامي مدافعاً عن الفكرة الوحدوية وعن المطالب الإسلامية وترأس « المجلس القومي الإسلامي» ودعا إلى عقد مؤتمر إسلامي في تشرين الأول عام 1936 انتهى إلى رفع مذكرة للمفوض السامي الكونت دي مارتل، طالب فيها تحقيق المطالب الإسلامية والوطنية ومحتجاً على المعاهدة الفرنسية – اللبنانية. ولما اتهم المفوض السامي المؤتمر الإسلامي بانه مؤتمر طائفي ردت اللجنة التنفيذية للمؤتمر عليه بالقول: « إن اللجنة لا يسعها إلا أن تُعرب عن أسفها حينما تجد في قلب هذه البلاد دولة لبنانية بحتة لا يبرر إنشائها سوى الأسباب الطائفية» إلى أن توفي عام 1938. 

أما والده الراحل الرئيس صائب سلام صاحب الشعار التسووي «لا غالب ولا مغلوب» وشعاره الميثاقي الذي يقول «لبنان لا يُحلّق إلا بجناحيه المسلم والمسيحي» فكان باكورة نضاله السياسي عام 1941، عندما بدأ حملته ضد الانتداب الفرنسي والبريطاني في بلاد الشام وفلسطين، وشاركه في هذا المسعى عبد الحميد كرامي في طرابلس. انتُخب صائب سلام نائباً عن بيروت لعشرة دورات بين عامي 1943 و1992 كما كان وزيراً في تسع حكومات بين عامي 1946 و1973، وترأس ست حكومات بين عامي 1952 و1973.

قام بتأسيس شركة طيران الشرق الأوسط في عام 1945، وكان رئيساً لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بمؤسساتها التعليمية والصحية، من عام 1957 إلى عام 1982.

في عام 1985، اختار النفي الطوعي في جنيف، سويسرا، بعد تهديدات ونجاته من محاولات اغتيال. أثار الرئيس صائب سلام غضب النظام السوري والجماعات الإسلامية المتشددة بسبب مواقفه التصالحية التي اتخذها في مؤتمرات السلام التي عقدت في جنيف ولوزان في العام السابق، فكانت العودة إلى لبنان عام 1994، بعد أن كان قد لعب دوراً رئيسياً في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية.

•  تمام سلام وحزب الأوادم

إن هذا المخزون من الإرث السياسي الكبير للأسرة السلامية الملتزمة بالعروبة والمؤمنة بإسلامها المستنير والملتزمة بالكيان وبالعيش المشترك جعل منها عائلة سياسية بامتياز، وهذا ما يمنع حامل هذا الإرث الكبير إنكفاءه السياسي الطوعي خاصة وإنه يمثل مرجعية أصبحت نادرة بسلوكياتها وأدبياتها الشخصية والسياسية المتزنة، كما أن المحطات الوطنية التاريخية التي خاضها كل من جده ووالده شبيهة بما يمر به الكيان اللبناني اليوم من تحديات مصيرية واجهت المسلمين السنّة في لبنان بعد الحرب العالمية الأولى في وعيهم السياسي الوحدوي العربي الأمر الذي أدى إلى خلق أزمة هوياتية ملتبسة لديهم بعدما أجهض الانتدابين الفرنسي والبريطاني حلم الدولة العربية الموحدة.

أثبت الرئيس تمام سلام بجدارة أنه من المؤتمنين على الموقع السنّي الأول الوطني، عبر ترؤسه الحكومة اللبنانية بين عامي 2014 و2016، وأنه رجل الدولة الأمين على العيش المشترك الذي يتطلب الحنكة والتبصر وطول الأناة خاصة في لحظة الاختلال في موازين القوى الوطنية الداخلية بفعل سطوة السلاح غير الشرعي والسعي لتثبيت التبعية الكاملة لإيران وفي عبثية التعطيل والفراغ في رئاسة الجمهورية لأكثر من سنتين التي مارسها ميشال عون وتفاهة صهره المعروفة.

إن حالة الإرباك والتفكك التي أصابت سُنّة لبنان خلال الأشهر الماضية، بسبب الغيبة غير المبررة سياسياً ووكالة للرئيس سعد الحريري المنقطع عن التواصل مع من أوكلوه تمثيلهم نيابياً في بيروت أولاً، كما في باقي المحافظات، وهذا الواقع يكاد يوصل السنيّة السياسية إلى حالة تُلامس التحلل الإرادي واللاإرادي معاً، والتي يتحمل مسؤوليتها جميع الفاعليات السنيّة من هذا المحور السياسي أو ذاك.

إن الإرث السياسي للرئيس تمام سلام واستثماره في الحياة السياسية ارتكز على قاعدة شعبية عرّفه «بحزب الأوادم» في بيروت وهذا التعريف المبسط والشعبي يحمل عمقاً بمدلولاته القِيَمية الأدبية والسلوكية الرافضة لكافة الانحرافات السياسية والاجتماعية البعيدة عن القيم والصالح العام، كما أن تفهمه وتواصله الرصين والأخلاقي مع أبناء بيئته بلهجتها البيروتية المحببة لديه كموروث اجتماعي تخاطبي عبر الحوارات التي تدور في رحاب دارة آل سلام التاريخي المفتوح في المصيطبة بحضور ومشاركة صاحب الدار المتواضع، بعيداً عن الفوقية والخفة والتفاهة وهو ما تفتقده اليوم الساحة البيروتية التي يتعدد فيها أدعياء الفطنة والفهلوة السياسية المسترئسين أو التافهين أو المأجورين، جاهلين أن شروط النجاح في العمل السياسي والتشريعي الجدي خاصة في الساحة البيروتية، هو نتيجة فعل تراكمي للممارسة والثقافة السياسية المبنية على وجوب توفر الحكمة والنضج والرؤية والتبصر والمسؤولية الوطنية، عدا عن أن الخدمات العامة يقع تنفيذها على عاتق الدولة بمؤسساتها ولا يجب أن تكون عبر تعقيب المعاملات الخاصة للخدمات الفردية التي أصبحت هي القاعدة والمعيار للنجاح في العمل السياسي، علماً أنها هي الشواذ بذاته نتيجة التخلف السياسي السائد.

كان لمشاركة الرئيس سلام في لقاء رؤساء الحكومة السابقين وقعاً ايجابياً في بيئته، لما يُمثله هذا اللقاء من ردم للفجوة السياسية الحاصلة على الساحة السنيّة للأسباب المعروفة، إلا أن تداول خبر امتناعه عن الحضور الإعلامي والسياسي مؤخراً لأسباب غير مفهومة، خاصة في لحظات تاريخية شبيهة بالمحطات التي عايشها جده ووالده لحظة بلورة نشوء الكيان اللبناني، معطوفاً عليه غيبة الرئيس الحريري وترك الرئيس فؤاد السنيورة وحيداً في مواجهته السياسية الصلبة المعروفة، إنما تجعل من الرئيس تمام  سلام مُراقباً سلبياً لا يتوافق وإرث العائلة السلامية التاريخي الغني بالتحديات والمواقف الوطنية والعربية المشهود لها، كما ان الاستقالة من الدور الوطني النشط في كافة محطاته وبكافة أشكاله في لحظات مفصلية تاريخية يتم فيها العمل على تظهير نظام إقليمي جديد لم تنضج ظروفه بعد. تحتاج السنيّة السياسية اليوم إلى تضافر جهود جميع النُخب الناضجة بتجربتها، خاصة نخبها السياسية المسؤولة والموثوقة والمتصالحة مع بيئتها وفي مقدمها الرئيس تمام سلام، من أجل النهوض بها وتجديد منطلقاتها سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، فكرياً، وثقافياً، ومحاكاة ما يحصل من قفزات نوعية كبرى في كل من مصر العروبة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة بعد ما صدر من مخرجات من القمة الخليجية التي عُقدت في الرياض مؤخراً والتي وضعت خارطة طريق تنموية وحدوية بين دولها تحاكي المسار الذي سلكته الدول الأوروبية من أجل قيام الاتحاد الأوروبي.

في هذا الاطار ووفق هذه الرؤية ذات الأبعاد الهوياتية الوطنية والعربية وبتأكيد انتماء لبنان إلى محيطه العربي بشروط القرن 21 وليس بشروط غياهب التاريخ والاساطير وبالرفض القاطع لكافة أشكال التبعية الإقليمية، إيرانية كانت أم تركية أو غيرها، يتبلور موقع ودور السنيّة السياسية المتجددة وهذا يتطلب حضور ومشاركة حكماء وفعاليات ونخب السنّة في لبنان في جميع مواقع المسؤولية السياسية والاجتماعية والفكرية وطنياً وعربياً واسلامياً وفي مقدمها الرئيس تمام سلام.



----------- 

* أكاديمي/ باحث في الشؤون الجيوسياسية