7 تشرين الأول 2023 12:00ص الألعاب الرئاسية

حجم الخط
لم يحمل المسؤولون الإنتخابات في لبنان على محمل الجد، لم يأخذوها عن الكتاب، كما كان يحثّهم على ذلك الرئيس فؤاد شهاب، وإنما ظلوا يعمدون لأخذها عن الألعاب.
كانت الإنتخابات تدور في نفوسهم وفي عقولهم وفي أيديهم، كلعبة من الألاعيب. فما كان مبدؤها عندهم: الحرية والديمقراطية والتنافس الحر والروح الرياضية. وإنما كانوا يأتونها عن طريق الشطارة والتزوير والرشى والتلاعب بالأصوات، كما بالنتائج. وذلك لمصلحة الضعفاء في نفوسهم، من الأقوياء والمقدمين والنافذين، والذين لهم باع طولى في تاريخ تزوير الإنتخابات وتزوير نتائجها.
كان هدفهم الأول والأخير، أن يلعبوا في الانتخابات، ألاعيب الشطار والبهلوانيين. وكانت الألعاب الرئاسية، هي آخر أشواطهم، حيث يكون هناك الإمتحان الأخير. ولهذا نراهم اليوم يتسابقون بالتشاطر وبالتذاكي وبصناعة الأهداف الوهمية، حتى يخرج إليهم الهداف من بعيد، يأتي إلى مرمى الرئاسة، يهزّ شباكها ويسجل نقطة لصالح هذا الفريق، أو ذاك الفريق.. وكأنهم في ملاعب يسودها الهرج والمرج، ويحكم فيها البهلوان، لا في بيت الشعب، ولا تحت قبة البرلمان.
الناس في البلاد أيها المشاغبون، تربوّا على قراءة الكتاب. تعمّقوا في دراسة القوانين. غاصوا في المواد الدستورية، وتشرّبوا بروحية الدستور، وأشربت في قلوبهم الصيغة. ورفعوا العلم اللبناني يدا واحدة. تفيأوا ظلال الأرز. عاشروا النسور في الأعالي، على مدى الدهور. وحملوا في سفنهم للآفاق، الدم الأرجواني وراية الأبجدية. وتعشّقوا، بل أنشدوا القصائد الوطنية. ضمّوا إلى صدورهم مدارس الحروف. وما عادت تنطلي عليهم، مثل هاتيك الألعاب الرئاسية البهلوانية، كما تقتضيها ممارسة اللاعبين البهلوانيين والشطار، وإنتظار الإشارات الخارجية.
منذ عام والناس يتساءلون ومعهم يتساءل العالم أجمع: متى تجري الإنتخابات الرئاسية عندنا؟ بعد مضي عام على الشغور الرئاسي، فلم تحترم الصيغة، ولم يحترم الدستور، ولم تحترم القوانين المرعية الإجراء، ولم يؤخذ بالمهل التي تنتظر ملء الشغور. فها هي البلاد في أسوأ أحوالها والمسؤولون يقطعون الشغور المزمن بالأكاذيب. يقطعونه بالألاعيب. ينتظرون الوقت المناسب، حتى ينقضوا على الملاعب، يهتكون الأعراف و القوانين، ويعيثون فسادا في الإنتخابات. يدلون بأصواتهم كالعميان. بعد أن يقبضوا ثمنها بالدولار. ويحوّلون حفلها، إلى حفل شطارة وبهلوانية وتهريج. يتنافسون على الرقم الأعلى، الذي يسجل لهم على دفتر الشيكات.
الناس في بلادنا تقطّعت أنفاسهم من كثرة الخزعبلات التي يرونها، من كثرة الألاعيب التي تمارس عليهم. فالمهرجون لا يحفلون بالجمهور، ولا يهمّهم التصديق والتكذيب، بمقدار ما يهمّ التصفيق للدولار، بمقدار ما يجعلوا في خزائنهم من الأموال. فالصوت الأغلى، هو الصوت الأعلى. وهم يناورون بالإنتظار، حتى ترتفع لوائح الأسعار.
المهرجون اليوم في الملاعب الرئاسية، يكثرون من النفاق السياسي في جولاتهم، في إجتماعاتهم، في خلواتهم.. يمارسون الألاعيب البهلوانية مثل قطعان الخيول البرية في الصحارى. همّهم أن يجروا، حيث تجري الرياح. فلا قواعد ولا أمانات ولا عدالة ولا حرية ولا ديمقراطية، وإنما هي بعض ألعاب البهلوانيين والشطار. كما تقتضيها ألعاب الرئاسة اللبنانية اليوم.. بعض ألعاب الشطارة.