بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الأول 2022 12:01ص الأمن الذاتي: ماذا عن السلم الأهلي ووحدة اللبنانيين؟

حجم الخط

إلى ماذا يؤشر المشهد الأخير للحماية الذاتية في منطقة الأشرفية في هذا التوقيت الدقيق بالذات؟

سؤال يُطرح وسط صعود ظاهرة الأمن الذاتي، ليس فقط في تلك المنطقة، بل في مناطق أخرى كأمر واقع أهلي وحزبي لم يكن ما شهدناه في الأشرفية سوى آخر محطاته وأوضحها.

العلّة الكبرى هنا أن تلك الظواهر الغريبة والسلبية تدللّ بوضوح على مسألة أساسية تتعلق بتراجع دور الدولة وتحلل مؤسساتها وشبه غياب لهيبتها، وإذا ما قسنا ذلك مع اكبر أزمة اقتصادية واجتماعية في التاريخ اللبناني، فإن ذلك يؤشر الى ما هو خطير جداً.

لا يُستخلص من هذه الظاهرة التي تُذكر بمظاهر ما قبل الحرب الأهلية وبإرهاصاتها حتى التفجر الكبير في العام 1975، بأن النزاع الأهلي الدموي قاب قوسين أو أدنى، لكنها تقول بوضوح إن مظاهر انهيار الدولة تترافق مع صعود الدعوات التقسيمية تحت عناوين مبهمة مثل الفديرالية واللامركزية المالية وصولاً إلى الحديث عن "الطلاق" الذي يكاد أكثر المعتدلين على الساحة المسيحية يذكره!

المؤسف في الأمر وربما الإيجابي بالنسبة الى كثيرين، أن الشهرين الماضيين ومع بروز تلك الظاهرة في أقسام رُسِّمت في بعض أحياء في الأشرفية قبل شملها كلها كما هو مُخطط، ترافقا مع ارتياح عام في المنطقة.

كما أن ما يحصل، في منطقة تعرضت لنكسة عاطفية وبشرية كبيرة مع انفجار المرفأ، له ما يبرره لدى السكان والتجار لا بل لدى الجميع، وهو جاء تحت عنوان مواجهة الإخلال بالأمن وحفظ المنطقة من التعديات والسرقات والجرائم.

يؤكد السكان أنهم باتوا مطمئنين في ليلهم مع بدء دوام هؤلاء الحراس المتسلحين بالعصي والمنظمين جيداً والممولين من قبل أكثر من جهة أبرزها النائب نديم الجميل والمصرفي أنطوان صحناوي.

مهما كانت التسمية التي ينضوي هؤلاء تحت لوائها، سواء "عيون الأشرفية" أو "جند الرب"، فإنها رسالة سياسية واضحة الاتجاهات نحو الضاحية الجنوبية والمنطقة "الغربية"، والأخيرة تسمية ما زالت تُتداول لدى قسم كبير في "الشرقية" بعد فشل السلم الأهلي في مداواة جروح الحرب، كما غيرهما من الساحات الطائفية على انتشار الكيان.

المفارقة هنا أن ذلك يحضر بعد ما يفترض أنه انتفاضة شعبية قبل نيف وسنوات ثلاث على منظومة حاكمة سياسية ومالية بات السكان اليوم يطلبون عونها في لياليهم السوداء.

لا بل أن أصحاب تلك المشاريع التي ذهب السكان الى أكثر من التجاوب معها ونحو التعاون، يعرضون تعزيز هذا الأمن الذاتي عبر تطوير الإنماء والإضاءة وتقديم المساعدات المتعددة، وصولاً إلى توسيع التجربة في اتجاه مناطق تعد بعيدة ليست مدينة زحلة التي تتردد هنا سوى مثالاً بسيطاً عليها..

الارتياح الشعبي الذي يلقاه ما تذهب إليه شركة الأمن التي تتولى العمل على الارض، من شأنه تشجيع المناطق الأخرى على تقليد هذه التجربة ما سيعني، وسط السعار الطائفي الحالي وشبه المجاعة التي يعيشها اللبنانيون وحاجتهم الى العملة الصعبة، تعزيز مفهوم التقسيم الواقعي على الأرض الذي يصبح من غير الهام ارتداءه طابع الرسمي مهما قيل عن تنسيق مع الجهات الدولتية التي ستُسلَّم المخلين بالأمن.

وفي الوقت الذي تتجه المؤشرات نحو الأحزاب اليمينية في المنطقة، فإن السكان يرددون اسم القيادي في "التيار الوطني الحر" ونائب المنطقة نقولا الصحناوي، عند ذكرهم للمتطوعين لمساعدتهم على رغم بروز معارضة في بيئة التيار لذلك واعتبار ذلك يصب في إطار استهداف التيار من قبل "القوات اللبنانية" و"الكتائب"..

فتح المعنيون باب الانتساب إلى كل طوائف الأشرفية حتى غير المسيحيين، لكن الاختبار الأول لتلك الظاهرة بدا خلال احتفال الآخرين على أرض الأشرفية لمناسبة فوز المغرب على البرتغال في فعاليات كأس العالم ما ادى إلى الصدام الأول حتى لو جاء هؤلاء من منطقة حليفة في السياسة والمحتفلين حينها شكلوا خليطاً سنياً شيعياً للمناسبة.

وستنتظر المنطقة تحديات أخرى طالما تقف وراءها جهات سياسية أكثر منها أهلية وطالما، وهذا الأهم، بقي الشعور بالغبن لدى الآخرين من الواقع الحالي..

على أن حديث الحرب ليس بجديد، وهو حضر جدياً بعد الحرب مع الانقسام اللبناني بين 8 و14 آذار خلال حوادث شارعية عدة كان آخرها عين الرمانة قبل نيف وعام.. وإذا كان المعنيون تمكنوا حتى اللحظة من محاصرة تلك الأحداث، فقد تكون المجاعة الحالية في لبنان سبباً في ما هو أخطر على صعيد السلم الأهلي الهش والقابل للتهشيم كما على صعيد وحدة البلاد.