6 تموز 2023 12:00ص الباعة الجوالون

حجم الخط
عندي صوت للبيع، هذا آخر إبداعات الإنتخابات. أصوات مكتومة للبيع، أصوات تنتظر، بين الضفة والضفة، من يقبل عليها، من يفاوضها، من يحمل ظرفا مختوما بإسمها. ها قد حان الوقت، لتنتقل هي أيضا، من ضفة الفقر، إلى ضفة المليونير، وعينها طامحة أبدا، إلى صفة الملياردير. تقول لنفسها، بركلات جزائية، ألم يكن أهل هذه الطبقة في لبنان، منذ أيام، من طبقة الفقراء، قبل أن ينال واحدهم، صفة المليونير، وبعدها، صفة الملياردير.
الباعة الجوالون اليوم في موسم الإنتخابات، ينصبون خيامهم في ساحة النجمة، أمامهم عرباتهم. تسمعهم يصيحون كل يوم، كما قال الشاعر الراحل محمد العبدالله، قبل عقود: «آنكل بنز يا سردين».
 لا شيء يتغيّر في الموسم. لا شيء يتغيّر في أحد الشعانين. لا شيء يتغيّر في الموسم.. موسم الأعياد. ترى الباعة يفترشون المداخل والباحات والساحات، يصيحون على بضاعتهم، ولا يترددون في طرح المزادات، لا يترددون في المضاربات، يتحولون بلحظة، من رجل يحمل همّ الشعب، إلى رجل، يحمل على كتفه كشة، أو يجرّ أمامه عربة، أو يجعل له بسطة.. ويصيح كما كان يصيح الباعة الجوالون على الأسماك: آنكل بنز يا سردين.
الوسط التجاري في بيروت، ساحة النجمة، تشهد اليوم موسم الباعة الجوالين، يريدون أن لا يفوتهم الموسم، دون أن يأخذوا نصيبهم، دون أن يأخذوا ما يصيبون. خرجوا من ثيابهم. خرجوا من بزاتهم. خلعوا ياقاتهم. نزعوا قفطانهم. بدلّوا نظاراتهم، ووقفوا قبالة بيت الشعب، ينادون: آنكل بنز يا سردين. يريدون أن يحصدوا أعظم حصة من المال. يريدون أن ينزعوا لقبهم الذي زهدوا فيه لسنين طويلة، أنهم من طينة الزاهدين المساكين. خصوصا بعد تشرين. كانوا يترنمون بالسمعة الطيبة، والعبد الفقير، وخادم الشعب الأمين، والآدمي المسكين، وصار طموحهم في الموسم، أن يحصدوا شرف المليونير، ويتقدموا بعدها، لينالوا شرف الملياردير، ولو على حساب الشعب الذي أضلوه، ولو على حساب الشعب الذي ضللوه، طيلة هاتيك السنين.
الوسط التجاري، لم يعد سوق «أبو رخوصة»، كما قيل عنه ذات يوم، في زمن ثورة تشرين. صار بعد ذلك، سوقا نافقة لبيع الشرف والكبرياء، لبيع الشعب الفقير الذي يقف اليوم على الأربع، ويحمل على ظهره ندوبه. أثقال الباعة الجوالين، أثقال باعة الأسماك الفاسدة، أثقال باعة الأسماك المعفنة، أثقال باعة الأسماك المملحة والمجففة والمدخنة والمثلجة.
الطفيليون اليوم في العرس، لا يخجلون إذا نادوا عليهم بأسمائهم. لا يخجلون إذا قيل لهم: طفيليو الأعراس. ما همّهم الشعب الذي يذبحه الجوع. ما همّهم الشعب الذي ترتعد فرائصه من الخوف. ما همّهم الإنهيار والقهر والإحتلال. ما همّهم، أن تظل البلاد تنتظر، في العتمة، في الجفاف، في الكساد، في التهديد والوعيد.
الوسط التجاري اليوم، على موعد، مع العرس الوطني، الذي طال إنتظاره لشهور. الوسط التجاري اليوم، ساحة النجمة، على موعد تحت قبة مجلس الشعب، لكن الباعة الجوالين، يفترشون أرضه، تنتشر في أنحائها، رائحة الأسماك الفاسدة، تتعالى أصواتهم: آنكل بنز يا سردين! 
لصوص الهيكل منهم، منذ كان الكيان!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية