بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2024 12:10ص التعادل المثير للتساؤل

حجم الخط
بعد ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على «طوفان الأقصى»، بدت «حماس» أكثر صلابة وأقسى عودا، تذهب إلى الحرب كل يوم، وكأنها في يومها الأول، لا تحسب حسابا، للتوغل الإسرائيلي، في أحياء غزة وفي قطاعاتها ولا في أنفاقها، ولا في حاراتها، لا تحسب حسابا لإعدام مستشفياتها واحدة بعد أخرى، ولا لهدم المجمعات السكنية والتجارية، ولا لمحو أسواقها، تبدو صامدة تحت الركام، وفوق الركام، وتدخل مع إسرائيل، في التعادل المثير للتساؤل: ما سر هذا الصمود؟ وما سر هذه المعادلة؟ وكيف تستطيع «حماس» وحدها، أن تقف في وجه أكبر ترسانة عسكرية تحمل عليها، منذ ستة أشهر، وكأنها في يومها الأول؟
نرى بأم أعيننا، كيف تسارع جيوش نظامية، لوضع نفسها في خدمة إسرائيل، في خدمة الإسناد العسكري واللوجستي لإسرائيل، ترسل إليها يوميا، الأعتدة العسكرية الأكثر تطورا، بالأطنان، وتظل عاجزة رغم ذلك، عن تحرير الرهائن في غزة نفسها، لا عن تحرير جيشها في غزة. يظل جيشها عاجزا عن الإمساك بغرفة العمليات، لا يعرف الطريق إليها، لا يعرف مراكز القادة ولا مراكز الفرق المقاتلة، لا يعرف الفرق النائمة.
حقا أقول، ما سر هذا التعادل المثير للتساؤل، بين الجحفل الإسرائيلي الجرار في البر والبحر والجو، وبين حفنة من مجاهدي «حماس» و«الجهاد»، لا يظهرون أمام الكاميرات، يكاد عددهم لا يتجاوز الألف، إن لم نقل المئات، يتخفون في الليل وفي النهار عن الرصد، ويمسكون بقوة بدفة إدارة المواجهة المحتدمة، ولا يظهر عليهم أي خوار، ولا تظهر عليهم أية علامات من الضعف في الحوار. يرسلون الممثلين إلى قاعات الاجتماعات بكل ثقة، ويديرون المناقشات مع الوفد الإسرائيلي، الند للند، وكأنهم وفد دولة قوية، لا وفد منظمة خفيفة خفية، لا تظهر على الأرض.
كل يوم تظهر «حماس»، وكأنها في اليوم الأول من الحرب مع إسرائيل، ومع دول عظيمة، تشدّ على يد إسرائيل، وترفدها بالدبابات والطائرات، وبأحدث أنواع الصواريخ والمسيّرات.
لم يظهر على «حماس»، حتى اليوم، أي إعياء عن متابعة الحرب، مع أقوى جيوش العالم على الإطلاق. تبدو للعيان، أنها ممسكة بقوة، بكل أوراق المعركة، بينها وبين إسرائيل. تعضها بأسنانها فتوجعها، فيتراجع جيشها، في هذا القطاع أو ذاك إلى الوراء. وتتقدم حماس لإصطفاء أرض المعركة، تمسك بمفاصلها، تقوى وتقوى، حتى ولو على الركام والقاع البلقع الرميم من الأرض.
ما سر هذا التعادل المثير للتساؤل، بين دولة قوية تملأ أرض غزة والقطاع والجنوب اللبناني، وكذلك الجولان والبقاع ودمشق ودير الزور، وبين منظمة، يكاد مقاتلوها الخفيفون المتخفون، أقل بكثير من حفنة باليد، بل كيف يصمدون في وجه أعتى قوة؟ وكيف يأكلون وكيف يشربون؟ وكيف يقاتلون؟ وكيف يستريحون وينامون؟ بل كيف يتعايشون مع كل هذا الهول الذي خلّفته عليهم حرب إسرائيل، في غزة وفي سائر مدن القطاع؟
بالأمس، كان موفدو حماس قبالة موفدي إسرائيل في القاهرة، ظهروا في جميع الاجتماعات، في جميع جلسات المفاوضات، أنهم أقوياء أقوياء، لا يتنازلون هنا أو هناك، ولا يقبلون بالشروط المفروضة عليهم، ولا يهنون، ولا تظهر علامات الوهن والضعف، في جميع المناقشات. وكانت الأخبار من داخل القطاع، تتحدث عن إنسحابات إسرائيل، ولو أنها تتحدث عن الإعدامات بالمئات، لمنتظري الإغاثة والإعانات، وسلل وعلب الغذاء.
تصدر إسرائيل أوامرها بإغلاق المعابر كلها إلى غزة والقطاع، ولا تفتح نافذة ولا معبرا، إلّا بعد أن تتوسط الدول العظيمة لديها، وتقف على خاطرها، وتعدها بإرسال المزيد من الأعتدة الحربية المتطورة. لتقدم فيها الشهادات على أرض غزة، وترسل لها المليارات إلى حساباتها، لشراء كل أنواع الأسلحة، وكل أنواع الغذاء.
قديما قديما، كنا نتساءل أيضا وكنا نقول:
ما سر هذه المعادلة الصعبة؟ ما سر هذا التعادل المثير للتساؤل بين الجيش الأميركي العظيم، وبين حفنة من مقاتلي الفيتكونغ؟!
وبتنا نتساءل لما نعرفه الآن في حاضرنا، على قاعدة من الشيء بالشيء يُذكر:
 كيف تجري الأمور بين أميركا وفيتنام اليوم؟!