بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 شباط 2023 12:00ص التلاقي الاستراتيجي العربي - الصيني مدخل لبناء عالم جديد عادل

حجم الخط
كانون الأول الشهر الأخير من العام 2022 شهد قبل انقضائه على المستوى العالمي أحداثا عدة في ميادين عالمية مختلفة، فحيث كانت شعوب الأمم تتابع الحدث الرياضي -المونديال- الذي أقيم على أرض عربية بقطر التي بهرت العالم بإقامته أعدادا وتنظيما وإدارة وملاعب و حشود جماهيرية من بقاع العالم وألعاب الفرق المشاركة ونتائجها خاصة ختامها بين كل من الفريقين القويين الفرنسي والأرجنتيني وفوز الأخير بكأس العالم الذهبي، كان الحدث العالمي الثاني السياسي الذي توجهت إليه أنظار دول العالم وعلى أرض عربية أيضا انعقاد قمم ثلاث في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بمشاركة الرئيس الصيني شي جينبنغ، القمة الأولى سعودية - صينية، للتعاون والتنمية، والثانية خليجية - صينية والثالثة رؤساء دول عربية - صينية، انه حدث غير مسبوق على المستوى العالمي، وحدث استراتيجي مفصلي ومواقف ذات أبعاد سياسية واقتصادية سوف تبني لعالم جديد من العلاقات والتحالفات قد يغيّر الكثير من المسارات الدولية السابقة لهذه القمم خاصة مع العالم العربي والولايات المتحدة الأميركية التي أمسكت بناصيتها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وحلّت بديلا دوليا عن كل من الأمبراطوريتين البريطانية والفرنسية.
ان هذا المسعى الدولي التي بادرت به مملكة الخير ودعوتها الرئيس الصيني وإشراك دول وإمارات عربية يأتي في سياق موقف عربي مدروس ورؤية عربية متقدمة وينمُّ عن معرفة سياسية واستراتيجية للمتغيّرات الدولية لهذه المرحلة والمستقبل العالمي.
ان هذا التوجه العربي المشترك من عدة دول عربية بمبادرة سعودية مع جمهورية الصين الشعبية سوف يفتح أبواب كثيرة في مجالات واسعة اقتصادية وتجارية وتكنولوجية وعلمية ومواقف سياسية مشتركة وقد تصل إلى تداعيات الأمن الجماعي، فالصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأوسع تجارة عالمية بل من أكبر الشركات تجارة مع غالبية الدول العربية والمملكة العربية السعودية وهي من كبريات اقتصاد العالم وأسرع الاقتصاديات نموا وهذا التلاقي والتقارب والتعاون المشترك العربي - الصيني وما سينتج عنه من شراكة وشركات عالمية يمكن من فرص التطور والبناء والازدهار ويضع قضايا الدول النامية على الأجندة الدولية بما يخلق تطورا وازدهارا للجميع، وكان وزير خارجية المملكة السعودية قد صرّح بأن بلاده بالقمم الثلاث التي انعقدت سوف تعزز بناء الجسور مع شركاء المنطقة العالميين وبناء الجسور بين الشرق والغرب وقال نرغب بالبناء ومعالجة كل التحديات التي نواجهها وأضاف أن سياستنا الخارجية مدفوعة بحاجتنا لبناء الازدهار لشعبنا ولشعوب المنطقة والعالم وخلال القمة الصينية - السعودية التي أناب بها ولي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز قال، ان دول الخليج تُعد الصين شريكا أساسيا مهما لها. وقد انعكست ثمار إيجابية لهذه الشراكة على مصالحنا المشتركة وعلى أمن منطقتنا واستقرارها وأن دول المجلس تهتم بالعمل جنبا إلى جنب مع الصين.
ومن جهة أخرى، صدر بيان ختامي للقمة أكد اتفاق القادة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مختلف المجالات فى السياسية والاقتصادية والثقافية وتوافق الرؤى حول قضايا العالم باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم استخدام أو التهديد بها، واهتم القادة المجتمعون بسبل تعزيز العلاقات والشراكة المستدامة بين الصين وهذه البلدان العربية في مختلف المجالات ومستويات للتعاون والتباحث في القضايا ذات الاهتمام المشترك والعمل لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ودعم مبادرة السلام العربية، وبدوره أشاد الرئيس الصيني بالعلاقات بين الجانبين وفصولها المبهرة من التضامن والتساند والتعاون والكسب المشترك، وعدّ الجانبين شريكين طبيعيين ولديهما قيم ثقافية متشابهة ويتبادلان التعاون بروح الفريق الواحد في وجه تغيرات  الأوضاع الدولية والاقليمية وتحدياتها، كما رحّب بالمشاركة في الأمن العالمي والنهوض، بالحضارة وتحدث الرئيس الصيني عن تعاون شامل الأبعاد في مجال الطاقة, والنفط، والغاز وتكريرهما، وتكنولوجيات الطاقة والخدمات الهندسية، والطاقة النووية والأمن النووي لبلدان الخليج، وفي قضايا المال والاستثمار وتوسيع تعاون الابتكار التكنولوجي وبناء شبكات الاتصالات الأخرى، وفي مجال الفضاء، وهنا يمكننا القول إن المتتبع من أبناء الأمة العربية  لنتائج الاجتماعات العربية - الصينية سوف يدرك الأهمية العظيمة للتلاقي العربي - الصيني والذي كان مطلب وهدف الثوار العرب الذين وقفوا مع الصين لدعم استقلالها وموقعها داخل الأمم المتحدة وكان الزعيم العربي الخالد بإنجازاته جمال عبد الناصر وأحد أبرز مؤسسي وزعيم كتلة دول عدم الانحياز والحياد الإيجابي صاحب رؤية عميقة بدعم جمهورية الصين الامة ذات الحضارة العالمية الضاربة في التاريخ البشري الصاعدة حديثا لتأخذ مكانها الطبيعي في حماية المجتمعات البشرية الإنسانية بعد سقوط امبراطوريات استعمارية وامبراطورية أميركية أحادية الجانب عملوا فتكا وتخريبا وحروبا ضالة وخبيثة وغزوات واحتلالات لشعوب ودول كثيرة على مدى العالم كله.
ان الأمة العربية بشعوبها ودولها تدرك الجوانب الحضارية المتقاربة بين الأمتين العربية والصينية الضاربتين في عمق التاريخ البشري، وتدرك السلام الأمني بينهما الخالي من أية صراعات ونزاعات وحروب واحتلالات وافتعال انقلابات طائفية أو مذهبية أو عرقية كما تشهده المنطقة العربية حاليا من دول عدوة صهيو أميركية وغربية وللأسف من دول يفترض أنها صديقة.
ان التلاقي العربي - الصيني الذي سعت إليه وتسعى المملكة العربية السعودية ملكا وولي عهد ودولة سوف يشكل أكبر قوة شعبية واقتصادية على مدى العالم وقاراته  كما أن التبادل التجاري القائم حاليا بين الدول العربية والصين وخاصة مع المملكة السعودية هو الأكبر لجهة النفط والطاقة. وهذا ما سيلغي والى حد بعيد احتكار أميركا والغرب للنفط العربي وفرض مصالحها، وألاعيبها وهيمنتها  وسيكون التعامل بينهما بالعملات الوطنية بما يؤثر سلبا على الدولار الأميركي كما توقع له الأستاذ كمال شاتيلا في كتابه القيّم الذي جرى إصداره هذا الشهر وتوقيعه في حفل حاشد منذ ثلاثة أيام بعنوان «الديمقراطية الاستعمارية/ انهيار الأمبراطورية الأميركية»، والجدير ذكره أن الهيمنة والسيطرة والاحادية الأميركية على العالم في حالة أفول وتراجع والصين وروسيا ومجموعة دول البريكس وهذا المسعى العربي النشط تجاه الشرق وبوادره القمم الثلاث العربية - الصينية المنعقدة الاسبوع الماضي بالرياض في حالة صعود والذي كان وضعه على الدول المعادية لحقوق الأمم بتحرير أراضيها واستعادة حقوقها وإقامة السلام العادل الضامن الوحيد للبشرية الأمن والسلام الدوليين كان صدمة كبرى ووبالا عظيما لانه سوف يؤسس لعالم جديد يسعد البشرية.