بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2023 12:00ص الحرب العمياء

حجم الخط
ليس بالضرورة، أن تكون الحرب العمياء، على صورة الحرب بالمسيّرات. كنا نسميها كذلك، حين كانت طائرة الدرون، تصل فجأة، إلى سوق الخضار، أو إلى تقاطع طرقات، أو إلى مجمع، وقد وضعت نصب عينيها، سيارة أو رجلا، أو غرفة نوم، أو فناء خلفيا لإحدى البنايات، وربما وصلت أيضا إلى متكأ خلف جبل، أو صخرة، أو شجرة، تتشمم رائحة لا تعجبها، ترسل صاروخا أو صاروخين، أو أكثر، تدمّر هدفها، وترمي شهادة وفاة، لمجموعات من الأطفال والنساء والشيوخ، لم يكونوا أصلا، في قائمة أهدافها.. وإنما هي المصادفات المفجعة.
كنا نسمع، بُعيد إنتشار الخبر، كيف يصعق الرأي العام العالمي، فتنهض وكالات الأنباء للتنديد بما تسميه الحرب العمياء، التي يحاسب عليها القانون الدولي، والتي يندد بها الرأي العام المحلي والعالمي والإقليمي. ونسمع أصوات الإستنكار، لهذا النوع من القتل الهمجي. فيصمت المهاجمون، ويمكرون، ويبررون، وينفضون أيديهم مما أقدموا عليه، لأنه عمل جبان مستنكر، في جميع البلاد.
التوحش اليوم، يمضي في الحرب العمياء، بلا هوادة.. يضرب بالمسيّرات غرف نوم الأطفال، غرف نوم الشيوخ، غرف المرضى في المستشفيات.. يقصف ملاعب المدارس، ويقتل طلاب الجامعات، بلا حياء.
الرأي العام العالمي مات. فنحن لا نسمع له صوت، حين نقرأ أو نسمع أو نشاهد، الآثار المفجعة لقصف المسيّرات، في شوارع كييف، وفي شوارع موسكو، على حد سواء.. تنطلق المسيّرات من منصاتها في الحقول القريبة، أو من المخابئ، أو من المستودعات، أو من شبابيك السيارات، أو شبابيك الأبنية المتعاملة، على غرف النوم، تقض المضاجع، تردي العجزة، ترمي فوق جثثهم شهادات الوفاة، ولا نسمع صوتا ولو يتيما، من عاقل يصرخ في البرية، في وجه التوحش المستجد: ما هذه الحرب العمياء!
صارت صناعة الطائرات المسيّرة، مثل صناعة الطائرات الورقية للأطفال. صار المتوحشون، يجدون فيها ألعابهم المسلية. تخبأ قطعها في الحقائب، وتنقل إلى الأهداف، فتصيب من تصيب، وتقتل من تقتل، وتدمر ما تدمر، بدون وخزة ضمير، بدون حساب، بدون عقاب.. وأما التبرير: فهي مسيّرات مجهولة الهوية.
أين صوت الأمم، من هذه الحرب العمياء؟ لماذا يخيّم صمت المقابر، فوق جميع المنابر العالمية؟ ألا يخشون أن تتمدد مثل هذه الحرب اللعينة، إلى ديارهم، إلى بيوتهم، إلى غرف نومهم، إلى أيدي أطفالهم، تصير دمية قاتلة، على أيدي صبية لاهية.
كانت الأصوات المنددة قوية، حتى في بلاد المنشأ. كانت الدرون حين تضرب في أفغانستان، تهتز الضمائر في الولايات المتحدة الأميركية. فلماذا دخل العالم كله اليوم في صمت مريب، والمسيّرات تضرب الجدران والشبابيك وتدخل إلى غرف الأطفال في الليل وفي النهار، وتهتز أسقف موسكو وكييف، من وقعها، ولا نسمع عن إهتزاز ضمير؟!
تعالوا أيها الناس، في موسكو وفي كييف، ومن وراؤهما، إلى كلمة سواء، أوقفوا الحرب العمياء، أوقفوا الحرب بالمسيّرات، عودوا إلى ضمائركم، لا تدعوا الأطفال يستبدلون الطائرات الورقية، بالمسيّرات.
على أبواب الصيف، أخذنا نرى بالعين المجردة، الألعاب العسكرية، تعود إلى لبنان.. من قوسايا، إلى البقاع، إلى الجنوب، ثمة أطفال، يستبدلون ألعابهم الورقية الطائرة، بالمسيّرات. يتدربون على إستبدال الطائرة الورقية، وعلى إستبدال الصاروخ الورقي، بالطائرات المسيّرة. من يحرك عقارب الساعة، أن تعود ألى الوراء؟!
السؤال الذي يطرح اليوم في بيوتنا: هل نحن أمام صيف مشتعل بالزينات أم أمام صيف مشتعل بالمسيّرات؟.. هل تنتقل الحرب العمياء إلى بلادنا! بعدما تعوّد عليها الضمير العالمي، وصارت من الأعمال اليومية، في كييف وموسكو.. هل تصير كذلك في صيف لبنان، هذا العام؟

* أستاذ في الجامعة اللبنانية