بيروت - لبنان

16 كانون الأول 2023 12:01ص الحرب على غزة

حجم الخط
عملية «طوفان الأقصى» التي شهد العالم فصولها، كما الحرب التدميرية على غزة التي ردّ بها نتنياهو، لمما يستدعي منا الوقوف على حجم الخسائر والأثمان الباهظة، التي تدفع اليوم. ذلك أن طرفي المواجهة، لا يزالان في قلب المعركة، على الرغم من مرور أكثر من شهرين على البدء بملحمة العصر: في غزة، في قطاع غزة، في القدس، في الضفة، وفي فلسطين عموما. ومن المقدر أن تستمر هذه الملحمة طويلا، دون أن تترجّح كفّة على كفّة، إذا ما وضعت في الميزان. فثبات الفلسطيني في الإندفاع لمواجهة الآلة الإسرائيلية، فوّتت على نتنياهو فرصة إنقاذه، فرصة الخروج من المأزق، ووقف مطاردة الشعب الإسرائيلي له، فبات بين نارين: قوة النار الفلسطينية على الإحتلال، عليه، وقوة غضب الشارع الإسرائيلي أيضا عليه. ولم يعد بمقدوره التراجع عن الحرب. كما لم يعد بمقدوره الإيفاء بوعوده بالنصر.
باءت جميع خطط نتنياهو بالفشل. لم ينفعه التخطيط السري، منذ وقت طويل لهذه الحرب، وإنتظار الفرصة السانحة. ولم ينفعه التمويل والتسهيل لجرّ الشعب الفلسطيني إلى الحرب. أهدر وقته سدى، منذ كان في السلطة سابقا، فجاء إلى الحرب بخطط فاشلة، لا بخطط ناجحة، على الرغم من فداحة التدمير التي يقوم بها لإنقاذ نفسه أمام شعبه، وعلى الرغم من فداحة التغرير. وثمن هذا التغرير، الذي لم يتعوّد عليه الإسرائيليون سابقا.
قاد أعظم حملة تدميرية، على الفلسطينيين الذين لاقوه إلى المعركة، وعلى الفلسطينيين البعيدين عن أرض المعركة، مغررا بشعبه، كقائد أحمق خسيس، يشتغل عند غيره، ولا يقدّر خطورة ما يقوم به، لشدّة حمقه، وشدّة تكالبه على السلطة، ولو بالآلة التدميرية الأعتى، ولو بالخطط السرية الأغبى، والتي سرعان ما إنكشفت وبانت خيوطها كلها. إذ إنكشف الطابق، وبان المستور، ولم يعد هناك ما يُخفى.
لم يعرف نتنياهو الأخذ من ميزان الشعب الفلسطيني بعد اليقين العربي والعالمي، بـ«حل الدولتين». لم يقدّر أنه هو نفسه دخل بكل حماقة في لعبة الأمم. لم يتعلم من خسارة إسرائيل، بكل ترسانتها الغاشمة، وبكل تاريخها الغاشم، أن فلسطين ليست لقمة سائغة لها في عالم الذئاب الجائعة. وأن أسياده، لا يمكن أن يسمحوا له، بضم فلسطين، والذهاب بـ «حل الدولتين»، إلى إسرائيل، كرمى لعينيه. لم يدرك بعد، أنهم جعلوه لغبائه، حصان طروادة، ليدخلوا هم إلى بحر غزة، إلى نفط بحر غزة، إلى ممرات غزة، بين المتوسط والبحر الأحمر، ومصر وسوريا وإيران وتركيا. وها هي البوارج، تؤكد ذلك في عرض البحر.
يدفع نتنياهو اليوم ثمن شهوته للسلطة، من كيس الشعب، الفلسطيني، كما من كيس الشعب الإسرائيلي، دون أن يستطيع التقدّم، دون أن يستطيع الحسم. يسدّد نتنياهو اليوم ثمن حمقه، بدخول الشعب الإسرائيلي نفسه في لعبة الأمم. جعل الشعب الإسرائيلي، يذوق لأول مرة طعم الحرب الحقيقية، التي ما ذاقها من قبل، فلا سلطة لنتنياهو بعد الحرب على غزة، إلّا سلطة الخسيس، الذي لا يسمح له أن يتسيّد، مهما أطال من عمر الحرب المجنونة، ومهما بالغت آلته التدميرية فيها. ولهذا بات عليه أن يعرف كيف يخسر، إذا لم يعرف أن يربح.
نتنياهو خاسر الحرب على غزة حتما لا محالة، بقوة حل الدولتين. نتنياهو خاسر لا محالة، بجرّ الحرب على الضفة. خاسر بجرّ لبنان إلى الحرب لا محالة. ولا ينفعه التهديد والوعيد. لا تنفعه كثافة النيران التي يستعملها للحرق. فهو سيخرج حتما من السلطة، ولو أطال عمر الحرب.
فهل يرعوي أحمق العصر، أحمق إسرائيل، ويكفّ عن التزيّد في الجنون، وعن الإنغماس في الحماقة حتى القعر؟! فهل يدرك ولو متأخّرا، أن أسياده يستعملونه مثل الأجير، بأجر أو بدون أجر، وأن المحكمة الدولية هي بإنتظاره كمجرم حرب، وآنئذ، يكون قد خسر السلطة إلى الأبد، وخسر نفسه، ومن الصعب أن يعاود من جديد التآمر على الشعبين، للإطاحة بحل الدولتين. فليعلم إذا بعد حربه المجنونة على غزة، أن فلسطين، أن الشعب الفلسطيني، هو الأقوى.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية