بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 حزيران 2023 12:00ص الحضور السلبي

حجم الخط
 كل يوم يمرُّ على الشغور الرئاسي، يسجّل في لبنان، معنى الحضور السلبي. كل يوم يمرُّ على الأزمة اللبنانية المفتوحة على كل التداعيات، على كل الاتجاهات، يسجّل على الحكام، عدم المبالاة.. يسجّل عليهم، معنى الحضور السلبي.
تسمع مثلا عن المسؤولين، عدم إكتراثهم، عدم مبالاتهم، بالمضاعفات، بما آلت إليه الأمور. تسمع مثلا بحضورهم السلبي، في تناول جميع الملفات.. ومع ذلك، فلا ترى أحدا يفوقهم في الاتهامات، ولا في الانتقادات، ولا في نقض الانتقادات، حتى لكأنك ترى الانتقادات، والانتقادات المضادة، وكأنها شيء من الترهات.. حتى لتكاد تصير الحياة في لبنان، محكومة بالسلبيات، لا بما يجب أن تحمله من الإيجابيات.
لا يقدّم أي إقتراح لعمل من الأعمال، أو لمشروع من المشاريع. لا تقدّم مسودة عمل، ولا مسودة إقتراح.. ولا حتى تلويح بأفكار، أو أي إيحاء بالأفكار، إلّا وترى ثلة عظيمة، من المسارعين للنقد، من المسارعين لنقد النقد، فتسود البلاد جوقة إنتقادات، لها أول وليس لها آخر. دون أن ترى في المقابل، من يخطو خطوة واحدة إلى الأمام. دون أن تجد مسؤولا واحدا، يأخذ على عاتقه مباشرة لتنفيذ أي عمل من الأعمال.
من لا يعرف عدد المشاريع التي تحتاج إليها البلاد، في ظل الأزمات التي ضربتها ولا تزال تضربها، وتضاعف من ضربها، بإستمرار، التي لا تزال توسعها ضربا: من أزمة المياه والطاقة، إلى أزمة أموال المودعين وأزمة الدين العام، إلى أزمة موظفي الإدارة العامة، التي أدخلت البلاد في الشلل التام، فشلت بذلك الأعمال في المصالح العامة، وفي المصالح المستقلة، وتوقفت الإنتاجية العامة، وتعطّلت المدارس والجامعات، وأصيبت البلاد بأشنع ما يصاب به وطن من الأوطان، حتى بلوغ خطر التهديد بالفشل والإفلاس.. حتى بلوغ خطر التهديد بالإنهيار.
ملفات كثيرة، إلى جانب هذه الملفات التي عرضنا لها، ملف العمالة الأجنبية، والدفع بالدولار. والكيل هنا بمكيالين، فالعامل الأجنبي، راتبه بالدولار. وأما العامل اللبناني، فراتبه بالليرة اللبنانية. وشتّان بين الفروقات. شتّان بين الثرى والثريا. شتّان بين النفيسة، وسائر أنواع القرى/(الطعام).
إلى ذلك، هناك ملف النزوح أو ما يعرف باللجوء السوري الشقيق المستجد، بجميع جوانبه الأمنية والاجتماعية، بجميع جوانبه الاقتصادية والمالية. وهذا الملف، لم يعالج، لم يحمل، بعد على محمل الجد. فهو عرضة للعبث به، من المسؤولين، ومن الأمم، على حد سواء. واللبنانيون هم اليوم بين الدف والمسمار: المزاحمة في العيش والعمل، وتخصيص المساعدات من الأمم للنازحين واللاجئين وأولادهم في المدارس والجامعات، دون الإلتفات، إلى الوضع المزري، الذي يعيشه اللبنانيون، جراء المزاحمة في السوق، وعدم الحصول على المساعدات، ولو من حبة دواء، ولو من رغيف، ولو من شربة ماء.
تمدد الشغور في مراكز الدولة، طال المناصب الرفيعة، طال المناصب الأولى، طال المناصب الهامة، طال المناصب، التي يصدر منها القرار، وتستصدر القرارات.. وأخذ الإهتراء يصيب جميع جنبات الإدارات التي تسير الأعمال في البلاد.. ولا زال المسؤولون، يعالجون جميع هذه الآفات، بالترقيع وبالمسكّنات، ولا زالوا غير قادرين، على أخذ القرار.. اللهم إلّا بالموقف السلبي، إلّا بردّات الفعل، إلّا بالمناكفات.. إنسجاما، مع حضورهم السلبي الدائم في كل الإجتماعات، وإنسجاما مع القرار السلبي، الذي يفتك بالسياسة العمياء التي تدار بها البلاد.
والسؤال الذي لا يزال يسيطر على الأذهان: إلى متى سيظل اللبنانيون، عرضة لهذه الإنتهاكات، التي ما وقعت على جمل، أو على جبل، إلّا أهلكته، إلّا أركعته، إلّا قتلته، إلّا أماتته، إلّا أتت عليه، من حيث لم يكن.. ومن حيث كان؟!
إلى متى، سنظل محكومين بحكومة مستقيلة، بنصف حكومة مستقيلة؟ إلى متى سنظل محكومين بالوكالة، لا بالأصالة عن الشعب؟ إلى متى سنظل محكومين بعقدة الشغور، بل برئيس غيّبه الحضور السلبي، عن البرلمان؟ إلى متى سيظل يسيطر على المسؤولين مثل هذا الحضور السلبي، في معالجة الشغور الرئاسي، وفي إدارة مثل هذه الملفات الثقيلة التي تنوء عن حملها الجبال، لا الجمال؟!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية