بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 آب 2023 12:00ص الخدعة اللبنانية

حجم الخط
أهم ما حمله هذا العام 2023 إلينا، هو أنه كشف جملة من الحقائق المُرّة دفعة واحدة. كشف الخدعة اللبنانية التي عايشها اللبنانيون وتعايشوا معها، طيلة المائة عام من تأسيس الكيان:
أن الوطن هو لجميع أبنائه، وأن المؤسسات هي وحدها التي تناط بها المسؤوليات. وأن لا أحد فوق سقف القانون مهما علا رأسه. وأن العدالة محكمة بين جميع أبنائه، بين جميع مجموعاته. وأن الناس سواسية، لا فرق بينهم بين صغير وكبير. وأن الحدود مرسومة ومأمونة، وغير قابلة للخرق. وأن مساحة البلاد، محددة، لا يمكن مسّها، لا يمكن أن يُعتدى عليها، لا يمكن لأحد أن يهدّد وجودها.
هذا العام 2023، كشف المستور في لبنان، عرّى الخدعة التي عاش في ظلّها، كل هاتيك الأعوام الماضية:
أن عملته الوطنية، مصانة بالذهب، لا يمكن لأحد أن يهدّدها. وأن اقتصاد البلاد بخيراتها وثرواتها، محروسة، وليست عرضة للنهب. أن دستور البلاد، هو كله للتطبيق، وليس قابلا للخرق. أن القوانين جارية في البلاد، ولا يمكن أن تعطّل، ولا يمكن أن تتعطّل. وأن كل الأمور في هذا الشأن، إنما هي على خير ما يرام.
عاش اللبنانيون على أوهامهم، طيلة مائة عام.. ظنوا أن الدستور مُصان بإرادتهم، وظنوا أن القوانين مُصانة بإرادتهم، وظنوا أن الإنتخابات تجري كما الساعة، في مواعيدها، وأن كل شيء فيها، وأن كل شأن من شؤونها، وأن كل نتيجة من نتائجها، هو من صنع أيديهم، من صنع إرادتهم، إنه صناعة لبنانية، لا شأن للخارج بها، أو فيها.
ظنّ اللبنانيون طيلة أعوامهم الماضية، أن وحدتهم أقوى من الإنقسام. وأن عودهم أشدّ وأقسى من أن يهدّد أحد، من أن يهن، أمام الشدائد والمصاعب، أمام التحولات التي تصاب بها الأقاليم. وأن الميثاق لا يهتز بينهم، وأن الفساد لا يمكن أن ينخرهم، ولا أن يطال منهم اللحم والعظم. ولهذا إرتاحوا إلى طبيعتهم، ونعموا بحياتهم الجارية في الريف والقرى والمدن، في الساحل وفي الجبل.
هذا العام 2023، كشف المستور في لبنان، فرز الحقائق عن الأوهام، عرّى سلال الغشوش، وصناديق التفاهات، وجميع الأوراق المزوّرة، في جميع التفاهمات. فلم يعد بمقدورهم أن يعيّنوا ناطورا، فكيف بتعيين رئيس؟! لم يعد بإمكانهم تعيين مأمور أحراج، فكيف بحاكم للمركزي؟! لم يعد بمقدورهم، إجراء إنتخابات المختارية وإنتخابات البلدية، فكيف بإنتخابات الرئاسات؟!
حقيقة، ذاب الثلج، وبان المرج. حلّ العام 2023، فأزاح الستارة، لا عن تمثال الحرية والعدالة والديمقراطية، وإنما عن دمية صغيرة حقيرة، دمية أسمها الخدعة اللبنانية!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية