4 تشرين الأول 2023 12:02ص السلام المحض

حجم الخط
يفعل الإنسان أشياء كثيرة، في يومه وفي حياته. غير أنه في طيات ذلك، يظل منشغلا بهم واحد. البحث عن الهدوء. البحث عن السلام. البحث عن الخواتيم السلمية، لكل أعماله. ولجميع مراحل حياته. 
الإنشغالات الدائمة، كما الهاجس اليومي بالمتابعات، لا تؤخر التفكير ولو لبرهة واحدة، في البحث عن الهدوء والسكينة والسلام. هكذا  هم الناس العاديون. هكذا هم القادة. هكذا هم العظماء. هكذا هم أيضا الفلاسفة والشعراء والأدباء. يسيطر عليهم هاجس واحد. يأتيهم متأخرا. ولكنه يأتيهم أخيرا، ليسألهم: ماذا فعلتم لأجلي. ماذا فعلتم للسلام. 
 يغيب القادة عن الساحات. وتظل هذة الساحات في غيابهم، تبحث عن موعد حلول السلام. فهي إذا ما كانت تذكر بالحروب، فإنها تظل تحلم يوميا، بأن يعمها السلام، في يوم من الأيام. فترتاح من هواجس الحروب والنيران. وترتاح من مشاهد الخرائب والخراب. تقول الساحات. عموم الساحات إن الحروب تؤجل السلام، ولكنها لا تقتله. فهو لا بد أن يعم الساحات في يوم من الأيام. 
كثر هم الأباطرة والقياصرة والقادة الكبار، كانوا قد بدأوا في البحث عن السلام، في المعامع والحروب. إمتطوا خيولهم وشهروا سيوفهم ووضعوا على رؤوسهم الخوذات وساروا في طلب الحرب. وحينما كانت نساؤهم تسألهم عن غاياتهم، كان جوابهم واحدا: البحث عن واحة السلام. 
عرف الشرق الأوسط محاربين كثيرين، أمضوا نصف قرن في طلب الحروب، وهم يبحثون عن السلام. أنفقوا خزائنهم كلها. إستدعوا الأجيال، جيلا وراء جيل. تنكبوا عدة الحرب. وإرتدوا بذلاتهم العسكرية ومهروها بالنياشين، وجعلوا البلاد كلها تتبع أوامرهم. وإستدعوا العديد والعتاد. تجهزوا عمرهم كله. تجهزوا نصف قرن للحرب بغية السلام. فمضوا. وند السلام عنهم. فما عرفوا إلتقاطه. قال الناس بعدهم: لقد ضيعوا عمرهم. وضيعوا الدرب. وضيعوا مهرجانات السلام في الساحات.
 الشرق الأوسط، كان معقد الحروب كلها. ورث الحروب القديمة والجديدة. وورث نتائجها أيضا. ذاق جميع أنواع المرارات. وتذوق أيضا جميع الكؤوس. أمضته الحروب التي شلعت البلاد ومزقت شعبها. وجعلت الأوطان جميعها، تدور في مدارات الشتات. جرحت شعوبها ومزقتهم. وجعلتهم ينامون على خوف. ويستيقظون على موت. وينظرون إلى مشاهد البلاد المممزقة. إلى الرايات القديمة. إلى الرايات الجديدة. عيونهم شاخصة إلى موعد يبعد عنهم، كلما حلموا بالسلام. 
خالف محمد بن سلمان، جميع القادة في الشرق الأوسط، وخارج الشرق الأوسط. قال بمسيرة السلام بدل السير نحو الحرب. عمل على فكفكة الرهانات القديمة جميعها. وخصوصا منها ما يرهن البلاد كلها للحرب. ما يرهن الشرق الأوسط أيضا كله للحرب. قال إن السلام أفعل من الحرب. لأنه هو الغاية. لأنه هو المنتهى. لأنه هو الطريق للبناء وللإعمار وللسكينة ولهدوء النفس. وضع له خريطة الطريق. بابها الإنفتاح بلا تهيب وبلا عقد وبلا خوف. ألبس المملكة/ العروس أجمل زينتها. ودعا الناس، عموم الناس لزيارتها. فما  صادف بابا مغلقا إلا فتحه. وما وجد أذى في طريقه إلا أماطه. شرع البلاد للهواء الطلق. وغسل التاريخ من ضراره. ثم ذهب إلى العالم. يهدئ الجبهات. ويطفئ النيران. ويقيل العثار. ويدفع دوما، بالتي هي أحسن. 
السلام هو شرط محمد بن سلمان الأول والأخير. ولا شروط قبله. ولا شروط بعده. السلام بأيامه. بمواعيده. بإنجازاته. ببصماته.
 لا يحتاج طلب السلام عند محمد بن سلمان، لطلب الحروب. السلام يطلب لذاته. وبذاته. عندما يحقق ذاته في جميع البلدان، خصوصا منها، من لا تزال تراهن على الحروب و نيرانها. 
 في العيد الوطني للمملكة، يُهدى محمد بن سلمان عباءة السلام للمملكة وللشرق الأوسط وللعالم. قال إن الناس يستحقون السلام، بعدما ذاقوا عمرهم كله، مرارة الحرب. نادى على الشباب. فساروا خلفه وهتفوا له. سار إلى القطاعات كلهم. عبروا له عن إغتباطهم بمسيرته نحو السلام. أيقظ النفوس التي أمضتها نيران الحروب. جعلها تدرك في البرهة القاسية، أن طلب  السلام لأجل السلام، شيء. وأن طلب الحرب لأجل السلام شيء آخر. 
 محمد بن سلمان يريد أن يذهب إلى السلام من أول الدرب. يخالف كل القادة القدماء. يخالف كل القادة الجدد. يطلب السلام المحض. لا السلام المغمس بالجروح وبالدم. فهل ما يطلبه محمد بن سلمان في الشرق الأوسط، وهو طريق للسلام المحض، أم هو السلام المستحيل!

أستاذ في الجامعة اللبنانية