بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آب 2023 12:00ص العلاقات الدولية في أرضٍ فَقَدتْ كرويّتها

حجم الخط
يورثنا اختلال مفاهيم التوازن الحاصل بل المتعاظم في العلاقات الدولية وتوازنها في العالم اليوم، حتمية الخروج السريع وضياع باقي الدول بسياسييها ومفكريها في القراءات الأفقية الإستهلاكية لملامح المستقبل وإفرازات العولمة واجتياحات التهليل الجديد للذكاء الإصطناعي.
لماذا؟...
1- لأنّه يروّج ويترسّخ لسوق العولمة وكأنه عبارة عن قطعان إلكترونية مجهولة هوياتها وهويات مشغّليها من المتاجرين بالعملات والأسهم والسندات وثروات الدول مهما كان شأنهم وحجم ثرواتهم. لهؤلاء حرية الجلوس والإقامة أمام أجهزة الكومبيوتر المضيئة أبداً. هم لا يعترفون بالظروف الخاصة لأية دولة أو حكومة أو وإنما بقواعدهم المنسّقة إلى حد بعيد. يحدّدون نسب الإدّخار والفوائد وعجز الموازنات للناتج التي يُفترض أن تحقًقها دولتك، إلى المسائل الشديدة التعقيد المتحكّمة بالعلاقات الدولية.
2- لأنّه، وبصرف النظر عن الإرتجال السياسي والإعلامي في التنظير المتسرّع للذكاء الاصطناعي ومستقبله ونتائجه، أميل نحو التروي والدقّة، بعدما دُهشت بهرولة بعض أساتذة جامعيين من طلاّبي فوق سجادات ما يعرف بـ«الذكاء الاصطناعي» يعتورهم التهليل والتحذير من صناعة الذكاء في كرةٍ فَقَدتْ كرويّتها.
بعيداً من تقديري لهذا الحماس، أعترف بمتابعة أبحاثي الأكاديمية بمشاركة الشباب الجامعي متلمّساً ملامح المستقبل العربي بعد ربع قرنٍ من الجهود النظرية في مسألة «انهيار السلطات في العالم».
3- لأنّ السؤآل الصعب المطروح جدّياً على البشرية اليوم يرتبط، أوّلاً، باستحالة التثبت علميّاً من هوية هذه العولمة المتحكمة بالسلطات الدولية، وثانياً، من سقوط جدليّات العرض والطلب الهائل بين الشرق والغرب وقد فرضت نفسها على العلاقات بين الدول والشعوب حتى الصغيرة غير المنتجة منها. ولأنّ فرض العظمة الدولية يعتوره الخلل بعد تحولات سريعة ظاهرة وعبر نهضات لم تكن متوقعة بين زعماء الدول على اختلاف أحجامها وثرواتها وقدراتها وإمكانياتها، فإنّ خرطها وانخراط أجيالها بتدفقات تقنيات العولمة ووسائل الإتصال أفرزت للمرّة الأولى تسمية «الأسرة البشرية» لا الدولية التي يستعصي الإحاطة بها أو تغيير ينابيعها ومجاريها المتدفّقة.
4- لأنّ قيادات العالم بدت محكومة بالتطوير والتحديث وادمان مقولة أنّ السلطة كامنة في منطق العرض-الإنتاج. كان هذا المنطق يتدخّل في الثروات والإنتاج يسحبها ويديرها ويتقاسمها بشكلٍ غير عادل أو مقبول مع أصحابها. ولأن القوي جشع يُحدّد المواصفات والطلبات ويبتكرها ويوجّهها ويحاول فرضها على أنداده من الدول الغنية الصغيرة والفقيرة بالطبع نحو أهداف وعطاءات مرسومة سلفاً تشبع مطامحه وبرامجه الإستراتيجية.
هكذا أصبحت الأحادية الأميركية طاغية في تحديد التطورات التقنية والبشرية، وهو ما أفضى إلى مقولات رسّخت التحكّم والتدويل لتُصبح العظمة الدولية أُحادية تضع بيض العولمة بكلّ ما تعنيه وتقتنيه في العش العالمي دون بلورتها ونشرها والإعلان عنها وفتح أسواقها وعرضها لتصبح حاجة بشرية متجاوزةً للثقافات والحضارات السائدة وكأنها هي فقط المستقبل والعصر والسلطات المحفوظة في الغيوم لا في السماء. وهكذا راحت تفرط سبحت الدولة الكبرى الأحادية.
5- تغيّر المنطق والعلاقات بالطبع إثر يقظة الشباب تباعاً والحكام في قيادة النهضات العربية المعاصرة بفضل الجامعات والتقنيات إياها. تداخلت سلطات العرض بسلطات الطلب وتنوّعت وتشعبت بين دول العالم والشركات لتتجاوز مقدرات الدولة وهيبة حكام يتلفّعون بتاج السلاطين. هكذا تحوّلت المعلومات، إذن، من سلع إلى خدمات، وتوارى خلفها منتجو المعلومات، لكنّهم كانوا يبرزون بقبعة رئيس واحدٍ عالمي آمراً ناهياً يجرّ الدنيا بسبابته محاولاً ترسيخ السطوة الفظّة على دول العالم الكبرى والصغرى الغنية والمنتجة والفقيرة.
هكذا حصلت تورية العباقرة مخترعو العصر التقني من مختلف الجنسيات في العالم، مثلما توارى قبلهم مخترع الكهرباء عن الأضواء، وطُمست قيمة طاقة التوليد بين أن تكون مائيّة أو شمسيّة أو على الفحم والوقود السائل أو النووية، وتوارت كشوفات العصر المتمكّنة من عقول البشر وأفكارهم دون أيّ تقدير أو إبراز أو توقيع لذكرى الخوارزمي على سبيل المثال الذي قد يجهله أبناؤنا.
لا ولم تستقم مصلحة الحاكم العظيم الأوحد أو رأس المال الدولي السائد، ويستحيل سقوط الحدود بكلّ المعاني والأبعاد بين الدول. هناك فواصل نووية بين سحب السجادة أو السيادة في العلاقات الدولية الذي يبسط أمامنا عالماً بهويات عظيمة متعددة.