20 نيسان 2023 12:12ص الممر الأصعب

حجم الخط
ليس من السهل أن يكون لبنان، بلا رئيس حكومة أصيل، بلا حكومة أصيلة. ليس من السهل على لبنان، أن يحكم بحكومة مستقيلة. ليس من السهل أيضا، أن يكون لبنان بلا رئيس للجمهورية، بل ليس من السهل أن نراه يعاني من الشغور الرئاسي، وهو بلا رئيس جمهورية منذ شهور طويلة. ولكن ثالثة الأثافي هذه المرة، لدست الحكم الذي يغلي في البلاد، فيشوي الشعب شيّا، هو العمل على أن يكون هذا البلد، بلا حاكم أيضا للبنك المركزي، بلا حاكمية.
فقد دخل لبنان في دائرة الخطر الوجودي، منذ أخذت عملته الوطنية تنهار، حتى نافت على سقف المائة ألف ليرة بكثير. بعد التمهيد لذلك، بالتهم المبرمجة و المساقة ضد حاكم المركزي، وبإقامة الدعاوى عليه، في الداخل وفي الخارج، وبعد إستعارة هيئة قضائية أوروبية، لمواجهته بالأسئلة، وبالتهم، وما يتصل بذلك من جميع أنواع الضغوط المادية والمعنوية و النفسية، لإسقاطه، وإسقاط «المركزي» بالضربة القاضية، بحيث ينكب البلد على رأسه، ويدخل في الممر الأصعب، وفي التهاوي المدوي والكبير.
 بالتأكيد، ليس العطب الحكومي، ولا العطب الرئاسي، ولا الشغور كله في مراكز الدولة، من صنع الشعب، وإنما هو من صنع أيادٍ لاعبة، بمصير هذا الشعب، منذ أكثر من قرن. كذلك ليس ما أصاب «المركزي»، من خلل ومن عطب ومن إهتزاز نقدي،  هو من صنع حاكمه، من تاريخ توليه الحاكمية حتى اليوم، وإنما هو من صنع المخططين لانهيارات البلد شيئا فشيئا، حتى تلاوة الرحمة على هذا البلد المسكين، إن الآن، أو في تاريخ عاجل وقريب.
مع مثول حاكم المركزي أمام الهيئة القانونية المستعارة ليومين، وترك الباب مفتوحا على جميع الاحتمالات، حتى دعوة الحاكم للتحقيق معه خارج البلاد، إنما يشي كل ذلك، بدخول لبنان، لا في الممر الصعب وحسب، وإنما في الممر الأصعب، من تاريخ تأسيس الكياني.
فالحملة على الحاكم التي تسبق موعد نهاية ولايته القانونية، بعد أشهر ثلاثة، ليست بريئة على الإطلاق. وهي تريد إسقاط «المركزي»، قبل إسقاط الحاكم والحاكمية. بعد إسقاط الحكومة، وبعد إسقاط الرئاسة الأولى، والغرض من كل ذلك، أن لا يستطيع البلد النهوض على رجليه، وقد فَقدَ مؤسساته كلها، واحدة بعد أخرى، ولم يعد بمقدوره، إلا أن يبنى على الشيء مقتضاه. فيتهاوى البلد، يتهاوى صرحه السياسي والمعنوي، والمادي معا في آن.
فنحن لا نبالغ إذا ما قلنا، أن لبنان قد دخل الممر الأصعب في تاريخه الحديث، مع إحالة حاكم المركزي، أمام الهيئات الاتهامية الداخلية والخارجية، وأمام المحاكم اللبنانية والأوروبية، والتشهير به قائم على قدم وساق، وذلك قبل شغور رئاسة المركزي بقليل، خصوصا أننا لم نحسن تشكيل حكومة بعد، ولم نحسن إنتخاب رئيس بعد.. فما بالكم، هلا نحن قادرون على تعيين حاكم أصيل للمركزي، بعد تهاوي المؤسسة النقدية الأولى في البلاد؟ وماذا يحلّ بالشعب، وبأموال الشعب، وبحياة الشعب، بعد إن تنهار على رأسه كل هاتيك المؤسسات، وخصوصا منها المؤسسة النقدية؟!
لبنان دخل في عنق الزجاجة هذه الأيام، دخل في الممر الأصعب. سقطت جميع أوراقه بين يديه. لم يعد قادرا على إنتخاب رئيس للجمهورية. لم يعد قادرا، على تشكيل حكومة أصيلة. لم يعد قادرا على تعيين مديرا أصيلا للأمن العام. وعما قريب، سوف تشغر قيادة المؤسسة العسكرية، بإحالة القائد على المعاش. وسوف تشغر أيضا وأيضا كرسي حاكم البنك المركزي. فعن أي إصلاح سوف يتحدثون بعد شغور كل هاتيك المناصب والمقاعد الرئاسية والأمامية في البلاد؟!
إنه الممر الأصعب في تاريخ البلاد، حين يضرب الشعب الإفلاس المادي والسياسي والمعنوي. وعندها لا يصحّ إلّا طلب الرحمة لهذا الشعب المسكين، والسير في جنازة وطنية.. والقول: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية