بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 آب 2022 08:11ص انتخبوا رئيساً فخامة، لا لرئيس مسترئس

حجم الخط
على الرَّغم من المواقِفِ الرَّزينَةِ والمَوزونَةِ التي أطلَقَها بعضُ النُّوابِ التَّغييرينَ الذين حَضَروا الاجتِماعَ في مَقرِّ البَرلُمان، وبالتَّحديدِ سامي الجُميِّل وميشال مُعوَّض ومارك ضَو وفؤاد المَخزومي وأشرَف ريفي وغيرِهم، إلَّا ان ظَاهِرَ الأُمورِ لا يوحي بأن مثلُ هذه العَراضاتِ تؤتي أُكُلاً، لأن حالَةَ الانقِسامِ بَدَت واضِحَةً بين النُوابِ التَّغييرين قَبلَ غَيرِهِم، ونَتساءَلُ عن جَدوى حُضورِ أولئكَ النُّوابِ التَّغييريينَ جَهارَةً الى بَرلُمانٍ مُعتِمٍ «دون كَهرباء» بل نَستَغرِبُ الإعلان عن مِثلِ هذه النَّشاطاتِ قبلَ تَوَفُّرِ ظُروفِ نَجاحِها وبلوَرَةِ مَآلِ نتائجِها أو ما قَد تُسفِرَ عنه!!! ونَسألُهُم ألم يَكن من الأفضلِ التَّكتُّمُ على مُحاولاتِهِم هذه السَّاعِيَةِ لرَصِّ صُفوفِهِم وتوحيدِ موقِفِهم تجاهَ الاستِحقاقِ الرِّئاسي؟ واستِطراداً تَشكيلُ ائتلافٍ سِياسِيٍّ مُعارِضٍ لقِوى المُمانَعَةِ، أو للطَّبقةِ السِّياسيَّةِ الحاكِمَةِ المُتحكِّمةِ بالبلادِ ومَصيرِ العِباد، أو على أقل تَقديرٍ تَمهيداً لتهيئةِ الأجواءِ لانتِخابِ رَئيسٍ للجُمهورِيَّةِ من غيرِ المُنضَوين في قِوَى 8 آذار أو ممن لا ئأتمرون بمحورِ المُمَانَعَة؟ 
خُيِّلَ إلي وانا أشاهِدُ عَبر التِّلفازِ حُضورَ البَعضِ من النُّوابِ التَّغييريينَ إلى حَرمِ البَرلُمانِ وامتِناعِ البَعضِ الآخَر عن الحُضور، انّنا سنشهدُ في مُناسَباتٍ وَطنِيَّةٍ أُخرى خِلافاتٍ أنثويَّةٍ حادَّةٍ ورُبما عِراكاً بين المُكوِّناتِ النِّيابِيَّةِ التَّغييرِيَّة، قد تَصِلُ إلى  حَدِّ حَلشِ الشعر» بين نائبين تَغييريين أنثوِيين، ترشَّحتا على ذاتِ اللَّائحَةِ رَغمَ قُصرِ شَعر إحداهُن، وذلك بتَحريضٍ من مُمولَةِ الأُولى، ومُدبِّرِ شُؤونِ الثانِيَة؛ وبمُوازاةِ ذلك مُنازَلَةٌ نيابيَّةٌ ذُكورِيَّةٌ تَغييرِيَّةٌ أيضاً تَكون على شَاكِلَةِ حَلبَةِ مصارَعَةٍ حُرَّةٍ أو كيغبوكسينغ، ما بين من دَعوا  إلى الاجتِماعِ وحَضَروهُ من جِهَة، وبين أولئكَ الذين دُعُوا إليهِ وامتَنعوا عن حُضورِه، هذا ما يُستَشَفُّ من مَشهَدِ الحَدثِ ومِمَّا قيلَ وقد يُقال.
وإن كانت هذه حَالُ النُّوَّابِ التَّغييريين، فإن حالُ أصدِقائهم النُّوابِ غيرِ المُمانِعينَ بمُجمَلِهم «أي نُوَّابُ القُوَّاتِ اللُّبنانِيَّةِ ونُوَّابُ اللِّقاءِ الدِّيمقراطِي» ويُضافُ إليهم النُّوابُ التَّغييريون وغيرُهم من النُّوابِ المَحسوبينَ بِشَكلٍ أو بآخَرَ على قِوى ١٤ آذار والمُستَقِلِّين وشبهِ المُستقلِّين «الدَّاعينَ للتَّغييرِ على طَريقَتِهم». مُقابِلَ ذلك لا تبدو قِوى المُمانَعَةِ بأحسَنِ حالاتِها، على الرَّغمِ من تَماسُكِ الثُّنائي الشِّيعي، إذ تَذخُرُ باقي مُكوِّناتِها بصِراعٍ ثُنائيِّ الطَّابَعِ تَدورُ رُحاهُ ما بينَ قُطبَين أساسِيين مَسيحيين مَعنيين شخصِيَّاً بالانتِخاباتِ الرِّئاسِيَّة، هما النَّائب جُبران باسيل رَئيسُ تَكَتُّلِ الإصلاحِ والتَّغييرِ «أكبَرِ تَكتُّلٍ نيابيٍّ مَسيحي»، والذي يرى أن حُظوظَهُ في الرِّئاسَةِ أمسَت شِبهَ مَعدومَة، والنائبِ السَّابقِ سُلَيمان فرنجِيَّة «ليس لديهِ كُتلةٍ نييابِيَّة» الذي يرى رَغمَ ذلكَ أن حُظوظَهُ فيها تَتَوَقَّفُ على حَسمِ سَيِّدِ المُقاومةِ للخَيارِ الرِّئاسي لِصالِحِه، بانياً آمالهُ على وَعدٍ صادِقٍ سَبقَ للسَّيِّدِ وقَطَعَهُ له منذ ستة سنوات، وذلك لأن السَّيِّدَ وَحدَهُ القادِرُ على حَسمِ الأمرِ بفَرضِ مَشيئتِهِ على قِوى المُمانَعَةِ مُباشرةً، وعلى بعضِ الوَسَطِيينَ مُستَعيناً بشَريكِهِ الاستراتيجي «دَولَةِ الرَّئيسِ نَبيه بِري» الذي يَمونُ على تلك القِوَى وبخاصَّةٍ رَئيسِ الحِزبِ التَّقدُّمي الاشتِراكي الذي يُمسِكُ بقَرارِ كُتلَةِ اللِّقاءِ الدِّيمقراطي، وذلك على الرَّغمِ من عَدَمِ رِضَى وَليد بك على خَياراتِ حِزبِ الله التي يُحَمِّلُها الكَثيرُ من تَبِعاتِ ما وَصَلَ إليهِ الَبلَد، وما يَدفعُهُ للسَّعيِ مُبكِراً لاستِشرافِ مَوقِفِ حِزبِ الله النِّهاىي من الاستِحقاقِ الرِّئاسِي.
لم يعُد بِخافٍ على أيِّ مُكَوِّنٍ من مُكوِّناتِ القِوَى السِّياسِيَّةِ أن وَضعَ لُبنانَ كَدَولةٍ أضحى مدعاةً للقَلَق، ليسَ فَقَط لأن لُبنانَ واللُّبنانِيينَ يَمرونَ في مَرحَلَةٍ حَرِجَة جدَّا، بل لخُطورَةِ ما يَحصَلُ  على السَّاحَتينِ الدَّولِيَّةِ والإقليمِيَّة، وبِخاصَّةٍ الحَربُ الدَّولِيَّةُ في أُكرانيا، والنِّزاعاتِ السِّياسِيَّةِ والعَسكَرِيَّةِ الاقليمِيَّةِ ذاتِ العَلاقَةِ بالمَفاعِلِ النَّوَوي الإيراني والحَربِ في اليَمَن، وانعِكاساتِ كُلِّ ذلك على السَّاحَةِ اللُّبنانِيَّة، ما يَجعَلُ هذا البلدَ وَسَطَ عَواصِفَ هَوجاءَ قد تُطيحُ باستِقرارِهِ السِّياسي والأمني.
كُلُّ تلك المعطياتِ تَجعَلُ من الاستِحقاقِ الرِّئاسيِّ القادِمِ أمراً في غايةِ الأهميَّةِ، وتَضعُ لبنانَ أمامَ مُفتَرَقٍ مِفصَلِي، يَتَوَقَّفُ عليهِ مَصيرُهُ كدَولة، فإمَّا المَزيدُ من التَّشرذُمِ السِّياسِيِّ، وبالتالي تسارُعِ وتيرَةِ الانهِيارِ الاقتِصادِي والمالِي والنَّقدِي، قد تُودي مُجتَمِعَةً باللُّبنانِيينَ المُقيمينَ في لُبنان إلى مَجاعَةٍ حَقيقِيَّةٍ بعد أن وَصلوا إلى ما وَصلوا إليه من فَقرٍ وعَوَز، وإما أمامَ مُحاوَلَةٍ حَقيقيَّةٍ لتَرميمِ البَيت اللُّبناني المُتَصَدِّع، والبَدءُ سَريعاً بعَمَلِيَّةٍ إنقاذِيَّةٍ حَقيقِيَّةٍ تَنتَشِلُ لُبنانَ من هذا المُستَنقَعِ السِّياسِيِّ القاتِلِ الذي اوقَعنا انفُسَنا فيه كلُبنانيين بمِلءِ إرادَتِنا بانتِهاجِنا سِياساتٍ تَناكُفِيَّةٍ ابتزازِيَّةٍ تَعطيلِيَّةٍ مُدَمِّرَة.
لقد آن الأوانُ لأن يَعي المُمسِكونَ بزِمامِ الأُمورِ السِّياسِيَّةِ في لبنان أنَّ الأوضاعَ الاقتِصادِيَّةَ والمالِيَّةَ والمَعيشِيَّةِ لم تَعُد تَحتَمِلُ مُغامَراتِهِم، ومُناوَراتِهِم، ولا المَزيدَ من صِراعاتِهِم السِّياسِيَّةِ المَقيتَةِ وغيرِ المُبرَّرَة، وأن المواطنينَ لم يعودوا يَحتَمِلونَ المَزيدَ من المُعانا مهما كان سَبَبُها.
أيها السِّياسِيونَ اعفوا اللبنانيين من تَجرُّعِ مَرارَةِ المَزيدِ من كؤوسِ الاصطِفافِاتِ العَبثيَّةِ على ضَفتي  ٨ آذار و١٤ منه، كما اكفوهُم شَرَّ الإنجِرافِ في مَحاوِرَ إقليمِيَّةٍ أو دَولِيَّة. بالله عليكُم، استَفيقوا وتَفكَّروا، علَّكُم تُجَنِّبونَ الوَطَن مَغبَّةَ الانجِرافِ في رِياحٍ دَولِيَّةٍ وآقليمِيَّةٍ عاصِفَة، قد تُزَلزِلُ الكِيانَ اللُّبنانيَّ، وتَهدُمُ ما تَبقَّى من بُنيان.
أيُّها السِّياسِيونَ المُخضرَمونَ «المُقرقَحون»، لُبنانُنا اليَومَ، إن استمرَّيتُم في تماديَكُم بمُناكَفاتِكُم، مُهَدَّدٌ بفَراغٍ رئاسِيٍّ بَغيضٍ على اللُّبنانيينَ وقاتِلٍ للَوطَن، لُبنانُنا بحَاجَةٍ لرَئيسٍ للجُمهورِيَّة؛ وليَس لأيِّ رَئيس، رَئيسٌ وِحدَوِيٌّ لا ائتلافِي، رَئيسٌ مُؤسَّساتيٌّ على غِرارِ الرَّئيسِ فُؤاد شهاب، رَئيسٌ يَتَمَتَّعُ بمُواصَفاتٍ ومَزايا وأخلاقِيَّاتٍ ترقى به على امتِدادِ الوطن، رئيسٌ حَريصٌ على تَصويبِ البوصِلَةِ السِّياسِيَّةِ التي ضَلَلنا عَنها، رئيسٌ قادِرةٌ على إعادَةِ وَضعِ عَجلاتِ قِطارِ إنقاذ الوطنِ على السِّكَّةِ الصَّحيحَةِ التي تُحَوِّلُهُ عن مَسارِهِ الحالِيِّ الجَهَنَّمِي إلى مَسارٍ نَهضَوِي، يُعيدُ لُبنانَ إلى مَوقِعِهِ الوَسَطِي، كما يَضمنُ له تَوَهُّجَهُ الثَّقافِيِّ وازدِهارَهُ الاقتِصادِي.
أيُّها السِّياسِيونَ إن كنتُم حَضيضين حَقا بلُبنان ورَاغبين فِعلا في انتِشالِهِ من كَبوَتِهِ لا تُفوِّتوا هذه الفُرصَة، ولا تَتَلَهوا بطُروحاتٍ أُخرى، لأن الأسماءَ المُتداوَلَةِ والمَطروحَةِ لرِئاسَةِ الجُمهوريَّةِ مع احترامِنا لأصحابِها بالشَّخصي ولِمَن تُمثِّل، إنما تبقى غَيرَ مُهيَّأةٍ لتَوحيدِ الصُّفوفِ ولمِّ الشَّملِ ورَميِ الخِلافاتِ جانِباً ونَبذِ الأحقادِ. وهي غيرُ قادِرَةٍ بالتَّأكيدِ على استِئصالِ الهَرَيانِ السِّياسي ولا القَضاءِ على الفَسادِ وإقصاءِ الفاسِدين ولا على استِنهاضِ الهِمَم، وتَسخيرِ الإمكانِيَّاتِ الوَطَنِيَّة، للمُباشَرَةِ بوَرشَةِ النُّهوضِ وإعادَةِ الإعمار.  
أيُّها السِّياسِيونَ اتَّقوا الله في بلَدِكُم، فإن أرَدتُم فِعلا وبصِدقٍ إنقاذَ هذا البَلَدِ الذي دَمَّرتُم، وخَلاصَ اللُّبنانيين من عذاباتِهِم التي تَسَبَّبْتُم بها، وتَرميمِ الدَّولَةِ التي مزَّقتُم أوصالَها، وإعادَةِ وإنعاشِ قِطاعاتِها الرَّسمِيَّةِ التي عَطَّلتُم، فما عليكُم إلَّا انتِخابَ العِمادِ جوزيف عون، ليسَ لأنَّهُ قائدٌ للجيشِ، إنَّما للمَزايا التي يَتحلَّى بها، كقائدٍ وَطَنِيٍّ عابِرٍ للطَوائف، مُيولُهُ وتَطلُّعاتُهُ لُبنانِيَّةٌ صَرفَة، واضِحُ الرُّؤيَة، شَفَّافُ غير مُلوَّنٍ بأصباغِ التَّعَنصُرِ المَذهَبِيَّةِ التي سَمَّمت عُقولَ مُعظَمِ سِياسِيِّنا الحَالِيين، إلى حدٍّ جعلَ لبنانَ بأسرِهِ يَفتقِدُ لزَعيمٍ وَطَنِيِّ لا طائفي ولا مَناطِقِي.  
حبَّذا لو تَتَعالوا عن الصَّغائرِ وتَتَحَلُّوا بالحَدِّ الأَدنى من المَسؤولِيَّاتِ الوَطَنِيَّةِ والحَزازِيَّاتِ الشَّخصِيَّةِ وتَتَرَفَّعوا عن الانانِيَّاتِ، وتُوعِزوا لِلنُّوابِ أن ينتَخِبوا العِماد جوزيف عون. وكُلِّي ثِقَة بأنه سيكونُ على قَدرِ تَطلُّعاتِ وآمالِ الشَّعب، وسَترونَ فيهِ الشَّخصَ المُناسِبَ لإدارَةِ دَفَّةِ القِيادَةِ والابحارِ في رِحلَةٍ آنقاذِيَّةٍ شاقَّةٍ توصلُ لُبنانَ بنهايَةِ مَطافِها إلى شَطِّ الأمان. نَعَم إني أرى في انتِخابِهِ، كما يرى الكثيرُ من اللبنانيين، خَشبَةُ الخَلاصِ الوَحيدَةِ المُتَيَسِّرَةِ حالِيَّاً، وبخاصَّةٍ في ظِلِّ عدمِ توفُّرِ أيَّةِ زَعامَةٍ سِياسِيَّةٍ على امتِدادِ الوَطَن، لتَقوقِعِ مُعظَمِكُم طائفِيَّا ومَذهَبِيَّا وتلوَّثهم بالفَساد. كما أرى في انتِخابِهِ مَساراً آمِناً يُمكِنُ من خِلالِهِ إنقاذُ لُبنانَ كوَطَنٍ لِكُلِّ أبنائِه، وإعادَةَ بِناءِ الدَّولَةِ وَفقَ أُسُسٍ مُتجرِّدَةٍ ومؤسَّساتِيَّة.
انتخِبوا فَخامَةً إن كُنتُم جادِّين في سَعيِكُم لانتِخابِ رَئيسٍ للجُمهورِيَّة، رَئيسٌ غيرِ مَرؤوسٍ، مَتبوعٌ لا تابِع، وليٌّ لا مُوَلَّى، مُهابٌ لا مُهَرِّج، قَويٌّ لا مُستَقوٍ، واصِلٌ لا وُصولي؛ وإيَّاكُمُ الإتيانُ إلى سُدَّةِ الرِّئاسَةِ بمُجَرَّدِ مُستَرئسٍ مُتَزَلِّفٍ ناقِمٍ أو حاقِدٍ مَهما سَوَّلَت لكُم أنفُسُكُم لأنَّه مَهما تَعَهَّدَ أمامَكُم أنه سَيُجارِيَكُم في كُلِّ تَطلُّعاتِكُم ويُسايِرَكُم في كُلِّ مَصالِحِكُم سَينقلِبُ على الوَطَنِ كما عَليكُم، أَقولُ قولي هذا وأنا على يُقينٍ وبَيِّنَةٍ أنَّ من تَبحَثونَ بينَهم عن رَئيسٍ بَعيدونَ كُلَّ البُعْدِ عن مَعاييرِ الرِّئاسَةِ وأدبِيَّاتِها.