بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آب 2023 11:15ص انفضاح تطبيع المنقوش ودبيبة يشعل ليبيا ويغضب بايدن

حجم الخط
سيمرّ وقت غير قصير، قبل الانكشاف والحصر الكامل للتداعيات الخطيرة التي أصابت مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، بدءاً من الإدارة الأمريكية التي لم تتمكن من كتم غضبها حيال تسريبات "إسرائيل" للقاء وزير خارجيتها إيلي كوهين بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش في العاصمة الإيطالية روما.
تسريب أطاح بجهود أمريكية واوروبية يُعمل عليها تزامناً مع عدوان الناتو على ليبيا عام 2011، الذي لم يعد سرّاً أن "التطبيع مع اسرائيل" كان أحد أبرز أهدافه الاستراتيجية. بدليل أنّ لقاء المنقوش مع نظيرها الاسرائيلي، جاء تتويجاً لسلسلة لقاءات سرّية مع الموساد وقادة الكيان، أجراها علي العابد وزير العمل بحكومة دبيبة ورئيس مخابراته حسين العايب، حصلت في الأردن ورام الله، و واشنطن وعدة عواصم اوروبية، فضلاً عن تل أبيب شخصياً.
سبب الغضبة الأمريكية من نتنياهو ووزير خارجيته كوهين، أنّ ملف التطبيع ليس شأناً إسرائيلياً خالصاً، بل هو شأن رئاسي أمريكي خاص، تجهد كل إدارة أمريكية لتحقيق بعض حلقاته ليكتب ضمن إنجازاتها فيسيّلها أصواتاً في صناديق الانتخابات، وذلك بفعل قوّة اللوبي الصهيوني في أمريكا. علماً أن مشروع "السلام الابراهيمي" لصاحبه دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، لم يؤمّن فوزه في الإنتخابات الماضية.
لكن جو بايدن يريد خوض الانتخابات المقبلة مسلّحاً بتحقيق إنجاز ضخم بملف التطبيع الذي كانت الصحافة الأمريكية تروّج له بين "اسرائيل" والسعودية. وأغلب الظنّ أن انتفاضة الغضب الليبية على فعلة حكومة الوحدة الوطنية قد أصابت مشروع التطبيع المركزي مع السعودية بعطب سيؤجله لوقت غير قصير.
لهذا وغيره سيمرّ وقت غير قصير، لحصر التداعيات الحقيقية والعميقة جرّاء انكشاف أمر اللقاء السرّي بين المنقوش وكوهين داخل الهياكل السياسية والأمنية والعسكرية الاسرائيلية والتي ارتفعت فيها أصوات الصراخ والاتهامات المتبادلة بين أركانها وسعي كوهين للتنصّل من تسريبها. أمّا في أروقة التطبيع الأوروبية، فالتداعيات المكتومة أكثر خطراً خصوصاً في ضوء الانتفاضة الإفريقية ضد الاستعمار الفرنسي المقنّع وغيره لافريقيا.
اذن، لأجل هذه اللحظة التطبيعية التاريخية شنّ حلف الناتو عدوانه المشؤوم على ليبيا القذّافية، متسلّحاً بشعار "حماية المدنيين" الذي تصدّر قرار مجلس الأمن الدولي 1973. وهي الحماية التي لم تتوفر رغم مرور 12 عاماً عليها. لا بل إن حلف الناتو ومن خلفه واشنطن، لم يكن لديهم أدنى استراتيجية لما بعد إسقاط الدولة الليبية، التي فكّكت الى حكومات متناقضة وأقاليم تنتظر قرارات تثبيت فصلها عن بعضها البعض.
لقد تحمّل الليبيون كل الليبيين، بصبر وأناة كل تداعيات وآثار عدوان الناتو ومراراته قتلاً وسجناً وتهجيراً داخل ليبيا وخارجها، وأصيب السواد الأعظم من الليبيين بالعوز، بلقمة عيشهم، وافتقدوا وقود السيارات، والكهرباء والطبابة، والأهم من هذا افتقدوا الكرامة.
الكرامة، التي شعر بامتهانها كل الليبيين وهم يتابعون العواجل الإخبارية التي تزفّ اليهم خبر لقاء المنقوش مع كوهين في روما. ثمّة جرح عميق أصاب مقتلاً كبرياء الليبيين، وتحديداً الشباب الليبي الذين خرجوا الى الشوارع والميادين والساحات، والشرارة الأولى كانت مدينة الزاوية، ولتتحول هذه الشرارة الى بركان لم تخمد ناره ولتمتد على طول البلاد وعرضها ومنها مصراتة، أمّا غضب شباب طرابلس فقد كان محل رصد ومتابعة بالميكروسكوبات ما بعد الدقيقة فضلاً عن الكاميرات التي رصدت إحراق أحد منازل رئيس الحكومة عبدالحميد دبيبة وبعض أعوانه وأقربائه.
لكن دبيبة تدرّج في محاولة امتصاص نقمة الشارع الغاضب، فتحدث عن إيقاف المنقوش عن العمل وإحالتها للتحقيق. فتصاعدت التسريبات والتصريحات الاسرائيلية لتتحدث أن اللقاء كان من حياكته وتدبيره وموافقته وعلمه، ليصعّد تدرجه ضد المشنوق بإقالتها واستبدالها بآخر. كذب رئاسة الحكومة الليبية ضاعف من غضب الليبيين وحنقهم فطالبوا باستقالة حكومة الدبيبة التي باتت جثّة سياسية ملفوظة شعبيا وتنتظر دفنها.
وكما في تبادل الاتهام والمسؤوليات داخل الكيان الصهيوني، تبادل مسؤولو الأمن في طرابلس الاتهامات بشأن مغادرة المنقوش مطار معيتيقة الذي أنكرت الجهات الأمنية الرسمية خروجها منه. ليتبين لاحقاً أن المنقوش خرجت بتدبير من آمر قاعدة معيتيقة الفعلي وهو الجنرال التركي الذي أمّن مغادرتها على طائرة حكومية الى تركيا، ومنها تردّد أنها توجهت الى لندن.
لقاء روما التطبيعي اذن، أيقظ كل عناصر الولاء لفلسطين بين الليبيين الذين قاتل الكثير من آبائهم وأجدادهم بغرض تحريرها منذ عام 1948 مروراً بالعدوان الاسرئيلي على لبنان من قبل 1978وليس انتهاء بالاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982، وأن بعضهم ذهب حافياً للذود عن القدس والمسجد الأقصى، وأنّ تاريخ هؤلاء الآباء والأجداد هو الذخيرة الباقية التي يفخر بها الليبيون، فانفجروا غضباً وهم يرون فخرهم وأمجادهم يلوّثان أمام أعينهم.
المعالجات ومحاولات ترقيع الأمور لم تعد تنفع كثيراً في ليبيا، التي يستعيد اليوم الكثير من الشباب الليبي مواقف العقيد القذّافي تجاه فلسطين وقومية المعركة ومعسكرات تدريب الفدائيين في ليبيا، ونقل السلاح والمتطوعين تارة عبر سوريا وجنوب لبنان، وطوراً عبر مصر الى غزّة.
اليوم يستذكر الليبيون جيداً كيف ضحك الاعلام الناتوي وملحقاته العربية وهم يسوّقون أن معمّر القذّافي يهودياً، وقد نسجت كثير من الروايات المضللة والكاذبة. والأدهى أنهم أخذوا يستذكرون وينشرون فيديوهات شهيرة للفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي الذي يقول في إحداها، أنهم كانوا يشتمون القذّافي ويصفونه بـ "ابن اليهودية"، وهم يعلمون "أني اليهودي الوحيد بينهم".
اذن انفجر الشارع الليبي غضباً ضد المنقوش ورئيسها دبيبة الذي لم يجد لمحاولة نفي التهمة عنه سوى التمسّح بسفارة فلسطين التي زارها ليتوّشح العلم الفلسطيني، فقرأ الليبيون سلوكه إمعاناً في الاستهزاء بهم، ما دفع بشباب وأعيان مصراتة مدينة دبيبة الى الخروج بموقف صارم ضد "الخونة المطبعين" ودعوا بلسان أحد أبرز قادة ميليشياتهم صلاح بادي الى "إسقاط حكومة دبيبة" الذي يتوسل السلطة ويتسوّلها حتى من "تل أبيب" ومهما كان الثمن.
قبل غضب الليبيين ورفضهم التطبيع وانتصارهم لفلسطين، ثمّة غضب آخر انفجر على خلفية اعلان حكومة دبيبة عن تأجير ميناء مدينة الخمس كقاعدة للبحرية التركية لمدة 99 عاماً، غضب أسفر عن اعلان "مقاومة الخمس" عن البدء في مواجهة الاحتلال التركي لليبيا، ما دفع دبيبة ايّاه الى تقرير توسيع الميناء الذي رست فيه فرقاطتان تركيتان دون تأجيره.
ربما وجب التوقف عن جلد نجلاء المنقوش وتدفيعها منفردة ثمن جريمة التطبيع، "فما فعلته المنقوش هو نتيجة سياقات وجهد تراكمي لمن سبقها ومن يزاملها، ومن المعيب أن تدفع وحدها الثمن". هذا الكلام يتناقله الشباب الليبي الغاضب ويعلنونه على مواقعهم التواصلية التي يتوعدون فيها دبيبة وكل من تسوّل له نفسه ارتكاب الكبائر الدينية والأخلاقية والسياسية.
ومن  هنا تبدأ الحكاية الجديدة في مقاومة التطبيع مع إسرائيل لتصبح ملفاً مطروحاً بقوة على طاولة الشباب العربي وليس الحكومات الرسمية.
صدق من قال: من ليبيا يأتي الجديد.