بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الأول 2022 12:00ص بصمة الشك

حجم الخط
الحديث كثير في «13- ت 1» 1990، لا أريد الإستفاضة فيها، غير أني أتوقف عند حدوثها: 1- حين قصف الطيران السوري الشقيق، القصر الجمهوري في بعبدا (13 ت 1- 1990)، الثامنة صباحا، فخرج الجنرال ميشال عون آنذاك (رئيس الحكومة المؤقتة)، بملالة عسكرية لاجئا إلى السفارة الفرنسية، وسيطر المقتحمون السوريون واللبنانيون، بغطاء من الجنرال أميل لحود، على القصر، وأسسوا لبرهة جديدة، في الحياة السياسية اللبنانية. وخاطب الجنرال ميشال عون عسكره، بأن ينضموا جميعا، تحت إمرة الجنرال أميل لحود الذي كان قد خرج عليه.. الذي كان قد خرج إليه.
2- كذلك وبالمماثل، أتوقف عند الذكرى الأخيرة لـ(13- ت1 - 2022)، التي أطلّ بها الجنرال ميشال عون من القصر الجمهوري نفسه في بعبدا، ليعلن الترسيم البحري جنوبا، اللبناني/ الإسرائيلي، وهو يشيد بجميع الجهات التي أخرجته سابقا من قصر بعبدا.
بعد إثنين و ثلاثين عاما، يلبّي الرئيس عون رغبة خصومه.. أم أن خصومه، تراهم قد لبّوا رغبة الجنرال عون، في وضع حد للعسكرة على الحدود الجنوبية. من قاد من، إلى صنع هذه البرهة المؤسسة، على الحدود الجنوبية، والتي اعتبرها الرئيس السابق، الشيخ أمين الجميل، أنها أرخت للهدنة الثانية، بعد الهدنة الأولى في العام 1949.
بين ذكرى (13 ت1-1990) والذكرى الثانية: (13ت1- 2022)، تبرز عندي بكل وضوح، بكل نصاعة، بكل قوة، بصمة الشك.. لأن الإنتصار على الجنرال ميشال عون، في البرهة الأولى، لم يكن إنتصارا. كما أن إنتصار الرئيس ميشال عون، في البرهة الثانية، وبالمماثل، لم يكن انتصارا.
فأين الإنتصار إذن؟ أين النصر؟ ومن انتصر على من؟ بل أين المنتصرون؟.. سؤال لا نرى جوابا عليه، إلا في برهة الجمود القاسية التي يعيش فيها لبنان واللبنانيون، وكأن التاريخ عاد بهم إثنين وثلاثين عاما إلى الوراء.
ذكّرني هذا اليوم المصادف لليوم السابق، بالوجوم اللبناني، المصادف لوجومهم في ذلك اليوم البعيد السابق، قبل 32 عاما، بالتمام والكمال. ذكّرني هذا الإنكسار في خواطرهم.. هذا القهر الذي يملأ منهم الكيان.. وكأنه قهر كياني، لا ينفك عنهم.. ليس له إنفكاك في حياتهم، ولو بعد ألف عام.
بصمة الشك مطبوعة في القلب، لأن الإنتصار بدا لي خارج لبنان. ولأن المنتصرين هم أيضا خارج لبنان. ولأن غرفة العمليات، كانت خارج لبنان.. وهي التي قررت البرهة الأولى، تماما كما قررت البرهة الثانية. وبينهما كانت تقرر برهة الجمود للبنان.
ومثلما جاءت البرهة الأولى قاسية وغير إنقاذية، كما كان يتوهم فيها بعضهم إنقاذ لبنان. فإن البرهة الراهنة، هي أيضا، إنما تشتق عنها. فالبطل واحد، وغرفة العمليات التي تحرك البطل واحدة، وهي لا تزال تفرض على لبنان وعلى اللبنانيين، البرهة الثقيلة، برهة الجمود القاسي، والذي هو برأيي أقسى مما شهدناه منذ 32 عاما، بل أقسى مما كان قد جرى لنا وعلينا، بآلاف الدرجات.
اللاعبون على المسرح هم.. هم.. ما تغيّروا. وغرفة العمليات التي أسست لهاتين البرهتين، بفارق 32 عاما، وبرهة جمود لبنان، ما تغيّرت، وليس فيها أدنى إختراق، جدارها صلب وعنيد، أقامه اللاعبون لرغبة أسيادهم في الخارج. وارتضوا لأنفسهم، أن يكونوا «عبيد العصا»، إلى ما شاء الله... ارتضوا أن يكونوا، «خرقا، ممسحة.. في فندق الشرق الجديد». أو هكذا كان نصيبهم، من جميع الأعراس، بإعتبار أنه كان لهم في كل عرس قرص.
من وهم التحرير في العام 1990، إلى وهم الترسيم في العام 2022، لا نزال نرى لبنان، ينحدر بقوة إلى الهاوية، حتى العتمة الشاملة.. حتى آخر فلس في الخزينة.. حتى تهاوي جميع مؤسساته.. حتى إبطال العلم والتعليم.. حتى إذلال جميع المواطنين، بالطابع الأميري، وبجواز السفر، وبالرغيف، وبحرمان لبنان من السيادة على أراضيه.
الانتصار خارج حدود الجمهورية إذن. والتهاني، تأتي من الخارج أيضا. تفد إلينا فرادى ووفودا، سرا، وعلانية. يريدون أن يقنعوا الشعب، أنه انتصر في العام 1990، وأنه يكمل هذا الانتصار اليوم، في العام 2022 ولو أن لبنان لا يزال في الهاوية.
بصمة الشك لا تزال عندي قوية، لأن لبنان السيادي، لم يخض معركة بتاتا. لم يخض بعد، معركة السيادة، لا في المرة الأولى، ولا بعد 32 عاما، أي حتى هذا اليوم. بل كانت المساومة ولا تزال تجري عليه، حتى آخر نفس، حتى رميه أرضا، بالضربة القاضية.
بفقدان السيادة، يفقد لبنان كل شيء، يساق إلى الذبح، ويوزع دمه هدايا لكل من شارك في ذبحه من الوريد إلى الوريد. ولهذا ربما، كانت فرحة الترسيم، تهب عليه من الخارج، تماما كما كانت فرحة التحرير كاذبة.
بصمة الشك عندي تقوى كل يوم.. أوحت إليّ بها كذبتان: التحرير في العام 1990، والترسيم في العام 2022. لأن لبنان السيادي، ممنوع أصلا، على اللبنانيين.

أستاذ في الجامعة اللبنانية