4 أيلول 2023 12:00ص تعطيل القضاء

حجم الخط
هل دخل لبنان مرحلة الفوضى الخلّاقة؟...
سؤال مشروع، وقد تناهى، الخبر الصاعقة، بتوقف مائة قاضٍ لبناني عن العمل، إلى أسماع من لا يسمعون ومن لا يقشعون، أصحاب الرئاسات وأصحاب الوزارات وأصحاب الولايات و النيابات، المتربعين على عرش السلطات في لبنان، وأولئك الذين نزلوا عنها، بحكم إنتهاء الولاية، لأي سبب كان، ما داموا يدوّنون أسمائهم في سجلات الإنتظار.
سؤال مشروع، هو السؤال: هل دخل لبنان عصر الفوضى الخلّاقة، التي نالت من سائر دول الجوار، بالعنف المسلّح.. أما لبنان فيدخله اليوم، بالسلم الأهلي؟!
ماذا يتبقّى من هيبة الدولة؟ من كرامتها؟ من جاهزيتها؟ من سلطتها؟ من حكمها؟ من أحكامها؟ إذا تعطّل القضاء، وصارت كل المنازعات في الحقوق، وصارت كل الحوادث، كل الأمور في البلاد، إلى القضاء والقدر، بدل العدلية وأحكام القانون وحكم القضاء.
كيف يمكن أن يفض التنازع العائلي والأسري؟ كيف يمكن أن يفض التنازع بين الأفراد؟ بين المؤسسات؟ كيف يمكن أن يفض أي تنازع بعد أن يدخل القضاء مرحلة العصيان، وتصير الأمور حكما، إلى الأحكام العشائرية، إلى الأحكام القبلية، وربما قادنا الأمر إلى الأحكام العرفية.. لا سمح الله.
بتعطّل القضاء في البلاد، أيها العميان، أيها الطرشان، بالمعنى المجازي، ومع الإعتذار المسبق، من أهلنا المعوقين، أصحاب هذه الحاجات، نكون قد حكمنا على دخول البلاد، في عصر الفوضى الخلّاقة. نكون قد ذهبنا إليها بأرجلنا. ونكون قد فتحنا لها الأبواب، بأيدينا. نكون قد شرعنا شريعة الغاب في بلادنا، التي اشتهرت عبر التاريخ، ببناء وتأسيس أول كلية للحقوق في العصر الروماني، في بيروت، والتي لا تزال شواهدها قائمة حتى الآن لأبصارنا.
هي إذن، دعوة للإلتحاق بالعصر الحجري، الذي سبقتنا إليه، دول شتى بالحروب، ونحن نلتحق به طوعا، بإرادتنا.. نعود إلى عصر الكهوف والمغر، مثلما صار القصر الجمهوري كهفا من كهوف ما قبل التاريخ.
أو هكذا تريدون أن نمضي أيضا، بالقصر الحكومي، وبالمجلس النيابي، وبجميع مباني الوزارات والإدارات، بحيث تتحوّل كلها إلى كهوف ما قبل التاريخ. هل نعود إلى عصر التراشق بالحجارة، أو بالنبل، أو بالرمي بالمنجنيق؟!.. فما بعد إغلاق المدارس والجامعات إلّا ذاك. فما بعد إضراب موظفي الإدارة في الدولة، إلّا أن نسرح في البراري، ونلبس جلود الماعز والخراف، ونغطي عوارانا بأورق الدلب وبأوراق الجوز وبأوراق التين.
ننادي عليكم أيها الحكام، بعدما خلع القضاة عنهم في لبنان، قفطان العدالة، أن تذهبوا إلى دوركم، إلى كهوفكم، وأن تعودوا إلينا بميليشياتكم من جديد، أقلّه لفرض الأمن. فنحن لا زلنا حديثي العهد بالدولة، وما نسينا أثر فؤوسكم في رؤوسنا.
ننادي عليكم أيها الرعاة، أن تعودوا إلينا بميليشياتكم لفرض الأمن الذاتي، في الأحياء وفي الشوارع، في القرى والأقضية والمناطق. تعالوا إلينا بالإدارة المدنية، وبالحواجز الأمنية. انشروا بيارق الطوائفية من جديد، وكأننا ما إنتهينا من الحرب الأهلية، التي أقمتموها على صدورنا وصدور أجيالنا، طيلة ثلاثين عاما.
تعطيل القضاء، بابه لا يؤدي إلّا إلى «الفوضى الخلّاقة»، إنه باب الجحيم الموعود، وها بلادنا تنزلق إليه طواعية، بلا حروب. فهل نحن جاهزون للعودة من جديد، إلى عصر الميليشيات، إلى عصر الحواجز الأمنية، إلى عصر «الشرقية» و«الغربية»، إلى لغة المعابر الميليشياوية، إلى دنيا الفيدرالية، بل إلى جهنم ونيران الحروب؟! والآتي بعد ذلك أرذل وأعظم.. يا جور الله!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية