بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 أيلول 2023 12:00ص تفعيل الوعظ بعدم إغفال الأسماء

حجم الخط
رفعت المرجعيات الدينية النصح أعلى ودرجة التحذير بضع درجات، مع إنطلاقة أنشط للعد العكسي للآمال المعقودة على مسعى الدبلوماسي الفرنسي المتمرّس جان إيف لودريان لجمع أنقاض المواقف بعدما بات واضحاً أن لا مكاسب ترجى من الحدّة التي إتسمت بها مواقف كبار مؤزّمي المواقف، أحياناً في تصريحات وأحياناً في إطلالات عبر الشاشات يستحبون تكرارها، هذا إلى جانب إحتفالات تكريماً لذكرى لبنانيين من مختلف الأعمار والطوائف كان من نعمة الله عليهم أن يعيشوا وينالوا حقهم من الحياة السعيدة ويساهموا في بناء الوطن لا أن يقضوا في حالات من الإحتراب على أرض الوطن أو خارجه. ثم يتم في ذكرى تكريمهم كشهداء من مرجعياتهم توظيف هذه الأطياف، التي باتت في ذمة الخالق، كأوراق في صراعات سياسية، وذلك من خلال مهرجانات واستعراضات تبعث مشاعر الخشية في النفوس من توظيف إستنسابي لما تعكسه الإستعراضات بآلياتها الحربية والخطَب التفجيرية من مشاعر حدوث ما هو أعظم.
ما قيل من المرجعيات الدينية يستوجب عميق التأمّل من جانب رموز التعقيد غير الشاعرين بضراوة العيش البائس لأكثرية الشعب اللبناني وبكل طوائفه. وهم لو خلدوا إلى التأمّل قبل التعبير عن مواقفهم والإدلاء بتصريحاتهم وبالذات ما يتسم بالحدّة وبتقطيع الأواصر فيما الحاجة إلى ما يبقي لبنان الصيغة على خط الطمأنينة فلا تهزّها أفكار من هنا ومناداة من بعض هناك، لكانوا ربما إهتدوا ولو إلى بضع خطوات نحو سواء السبيل.
من بين ما يوجب التأمّل فيه وصدر في مواقف أو عظات متفاوتة سبقت ترحيباً من حيث المبدأ بما طرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري في شأن الحوار، قول البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي يوم الأحد 13/8/2023 «لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وجيش وسُلطة لكن لن ننزلق إلى العيش دون الدولة والإحتكام إلى غيرها...» وزاد النصح والتحذير (عظة الأحد 20/8/2023) قائلاً: «إلى متى يا معطّلي إنتخاب رئيس للجمهورية تخالفون الدستور وتهدمون الجمهورية وتعطّلون الحياة الاقتصادية والمالية وتبعثرون السُلطة وتفقِّرون الشعب وتهجِّرونه إلى أوطان غريبة؟ خافوا الله ولعنة التاريخ...». وقوله قبل ذلك (الأحد 26/6/2023) تكراراً وهو يترأس قدّاساً في إحدى كنائس العاصمة الثانية طرابلس «إن لبنان كدولة يتفكك بسبب عناد بعض السياسيين ومصالحهم الشخصية والفئوية. إن لبنان ليس مُلكاً لأحد ليتصرف به وبشعبه على هواه وبحسب مصالحه. لبنان مُلك شعبه وتاريخه وثقافته وحضارته...». ثم صوَّب (عظة الأحد 23/7/2023) على العلّة نفسها طالباً من السياسيين «أن يترفعوا عن مصالحهم الشخصية، لأن هوية لبنان ورسالته مهدَّدتان بالتشويه والإنهيار...».
ومفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان نبّه وحذَّر أكثر من مرة في خُطب يوم جمعة وفي مناسبات دينية. وفي أحدث تنبيهاته (تعليقاً على مسعى لودريان) وتحذيراته قوله: «الدولة ومؤسساتها أكبر من أي أمر آخر، وإذا لم نساعد أنفسنا فكيف نرجو أن يساعدنا الآخرون. وبالنسبة إلى السُنَّة فلا مشروع خاصاً لديهم بل يؤمنون بالدولة وهم مكوّن أساسي في بلد الطوائف التي نحترمها جميعاً ولا يشوبها شائبة في التعاطي مع بعضها بعضاً ولن نسمح لأي أحد أن يُشعل نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. البعض من الساسة لا يزال يعيش حالة المكابرة والتصلّب في مواقفه السياسية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع الناس الذين يعانون من أزمة المياه والكهرباء والغلاء...».
والمرجعية الأرثوذكسية في شخص متروبوليت بيروت وتوابعها المطران إلياس عودة لا يترك عظة أحد إلّا وينبّه هو الآخر ويحذّر، ومن عظاته (الأحد 25/6/2023) قوله عن السياسيين المعطّلين إنتخاب رئيس للجمهورية من دون تمييز بين فريق وآخر «إن المسؤولين بسياساتهم الملتوية ووعودهم غير الصادقين دفعوا الشعب إلى الاهتمام بتأمين المأكل والمشرب والألبسة والأدوية فقط ما حدَّ من تطلّعات الشعب وتقدُّمه. ما الذي يمنع المسؤولين من الإقدام على إصلاح ما فسُد؟ ماذا يؤخّر إنتخاب رئيس؟ ما الذي يمنع إنقاذ هذا البلد؟...».
وكما أقرانه من حيث المكانة المذهبية فإن شيخ العقل لطائفة الموحَّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى قال (الإثنين 4/9/2023) خلال جولة روحية «إن الأزمة المعقَّدة لإنتخاب رئيس للجمهورية وفراغ المؤسسات من مسؤولين أصليين يساهمان في فقدان الثقة بالدولة...».
وأما المرجعيات الدينية الشيعية فإن مضامين خُطب المناسبات الدينية التي ألقاها الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان والعلَّامة السيد علي فضل الله، تتناغم مع التوجه السياسي ﻟ «حزب الله» و«حركة أمل» مع التركيز على ضرورة قيام السياسيين بواجب إنتخاب رئيس للجمهورية وعدم إنتظار قرار الطرف الخارجي.
من الطبيعي أن تكون تحذيرات البطريرك الراعي ونصائحه على الوتيرة نفسها ودون إنقطاع هي الغالبة ذلك أنه المرجعية الروحية للمنصب الذي كان ماضياً يسيّر الإنجاز، ثم بات بدءاً من الإستحقاق الرئاسي السادس مشروع أزمة زاد منسوب تعقيداتها إلى درجة أن لبنان عاش بضعة أشهر خالي الرئاسة الأُولى.
لكن ما يفتقده اللبناني المغلوب على أمره من شدّة الوطأة بكل مناحيها أن البطريرك الراعي لا يسمّي المسؤولين عن الأزمة وإنما يكتفي بكلمة «السياسيين» ويحذو رموز المرجعيات الدينية حذوه في ذلك كما أوردنا على سبيل المثال فقرات من عظاتهم وخُطبهم في صلاة يوم الجمعة أو لمناسبة تجوال روحي قاموا بها. وهؤلاء لو سمّوا المسؤولين عن التعطيل بأسمائهم لربما كان هؤلاء ارتدعوا أو في الحد الأدنى نصف ارتداع.
أما وأن الأمر سيتواصل كما حاله مقتصراً على الوعظ الذي هو عليه فإن كل سياسي مقترف ذنب التعطيل لن يفهم من الإشارة وسيقول إن ما يقوله علماء الطوائف ليس هو المعني بالذنوب التي يشيرون إليها.. وإنما هم سياسيون آخرون. ولن يحسم الأمر إلّا بعد تسمية المسؤولين المعطِّلين بأسمائهم خشية أن يسود الإنطباع بأن المرجعيات جزء وإن غير مشارك للسياسيين في المحنة اللبنانية.