15 حزيران 2023 12:00ص تقاطعات باسيل تُوِّجت بترشيح أزعور

حجم الخط
توازياً مع الصخب الإعلامي الذي رافق الجلسة النيابية الثانية عشر لمحاولة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي سارت وفق السيناريو المتوقع دونما مفاجأة تذكر، سوى في تعبير بعض النواب التغييريين ومنهم فراس حمدان الذي كشف عن تعرضه وتعرضهم لضغوط كبيرة كي ينتخبوا خلافاً لقناعاتهم وهذا ما حصل. ولعلّ أبرز ما ميّز هذه الانتخابات هو اصطفاف جبران باسيل وغالبية نواب تكتله القوي، مع من يسمون أنفسهم بالمعارضة المواجهة لحزب الله. وفي اصطفاف باسيل هذا، تحوّل سياسي ينبغي التوقف عنده، وأيضاً محاولة سبر غوار حقيقة مواقف الرجل التصاعدية في افتراقها عن شريكه في تفاهم مار مخايل الذي يقف على رجل واحدة، فما الذي بات يحكم مواقف باسيل في خروجه المتدرّج من عباءة سيّد حزب الله، وما الأسباب التي دفعت باسيل الى مثل هذه المغامرة الخطيرة؟
ممّا لا شك فيه، أن جبران باسيل يكتب بشغف كبير سيرته الذاتية، كما ويحاول أن يصيغ مساره ومسيرته غير الموروثة، من عمه الرئيس ميشال عون، الذي مهّد له زعامة التيار الوطني الحر، عبر تضحيته برفاقه في الحكومة العسكرية، وحتى بأبناء أشقائه، فضلاً عن صهره الآخر العميد شامل روكز، لكي تفرغ الساحة تماماً أمام جبران باسيل، الذي أمسك بناصية التيار والعهد القوي كرئيسِ ظلّ للجمهورية. لكن، كل هذا لم يشبع نهم باسيل. لأن كل هذا، لا يصنع منه زعيماً يتفوّق فيه، حتى على زعيمه ميشال عون.
ممارسة باسيل للسلطة، في الوزارات التي تسلّمها مباشرة أو عبر مساعديه، أثارت الكثير من الجدل والتسقيط، بفعل الأعراف الغريبة العجيبة، التي أغرق فيها الممارسة الرسمية، مثلَ أن يشارك بحكومة ولا يمنحها الثقة، ولعب برؤساء حكومات وتشكيلاتها، وتلاعب بهم.
كل المواقع، التي تبوأها باسيل وتياره وفريقه، كانت بفضل تفاهم مارمخايل. لكنها، لم تسدّ جوعه، واستمر في إستنزاف حليفه الى الحد الأقصى، وفي إستفزاز بيئات لبنانية واسعة ضد حليفه. وربّما كان على حزب الله، أن يسدّ جوع باسيل، ويطعمه اللقمة الأخيرة عبر إجلاسه على كرسي رئاسة الجمهورية ومن دون أن يطلبها باسيل. وفي حال تمنعه عنها، وجُب على «مار حارة حريك» أن يجبره على أكلها وبلعها وهضمها، وهذا ما لم يحصل. ومن هنا تماماً، ظهرت شعرة الرئاسة التي قسمت ظهر البعير.
لم تكن رئاسة الجمهورية، الخلاف أو التمايز الأول، بين جبران باسيل، وحسن نصرالله. فقد سبقها مناكفات عدة، مثل تطفيش سعد الحريري واستبداله بحسّان دياب. ثم تقاطع باسيل مع حزبي القوات والكتائب، على عدم تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة. ولم يكن هذا التقاطع الأول بين ترويكا الأحزاب المسيحية. فالتقاطع ما قبل الأول برز في مجلس النواب، عبر توافق الترويكا سلباً أو إيجاباً، تجاه بعض القوانين بهدف إقرارها أو إجهاضها. إذن التقاطع من وراء وأمام حزب الله، وعليه، خضع لبروفات متنوعة، قبل أن يصل الى محطته الأخيرة المسمّاة، ترشيح جهاد أزعور.
تقاطع باسيل، مع أقرانه من ترويكا الأحزاب المسيحية، وخصوصاً مع خصمه، وخصم حزب الله اللدود، سمير جعجع، هو بدون شك، أبعد وأعمق من مسألة انتخاب رئيس جمهورية. لأن الرجل في سياق مسعاه لرسم مسار مسيرته وزعامته غير المتوارثة عن ميشال عون، قد أدرك أن مداميك زعامته المتخيّلة في رأسه، تُبنى من مقلع واحد، هو مقلع التنادُد والنديّة الحصرية مع حسن نصرالله الذي ليس له، أو ممنوع أن يكون له مطلق ندّ.
وبممارسته التنادُد هذا، بات باسيل رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية. فأحسن استثمار العقوبات الأميركية عليه بالفساد وتخصيبها، ليشبع نهمه في الوصول الى أعلى القمّة. والأعلى هنا، مكان افتراضي غير حسّي، متجاوز للمناصب الرسمية. مكان، يشبه ذاك الذي يتموضع فيه حسن نصرالله.
النديّة في عقل باسيل، هي من تصنع حيثية زعامته المتفرّدة عن أقرانه المسيحيين، الحاليين والسابقين. ومن رحم هذه النديّة، جحّظ باسيل باتقان متدرّج إختلافه العميق مع ندّه حسن نصرالله حول ترشيح سليمان فرنجية. فذهب الى مقلب آخر، تماماً آخر، ذهب الى سمير جعجع، المتهم من باسيل نفسه، بالعمالة لإسرائيل.
وكما يدرك عقل باسيل  العميق، أنّ سلوكه السياسي، أغضب الغرب والعرب، وخاصة المملكة العربية السعودية، ولهذا لا يوفر الرجل فرصة، لإرسال إشارات الغزل السياسي لولي العهد السعودي، فإنّه عميق الاقتناع بأنّ عقوبات قانون ماغنيتسكي الأميركي المفروضة عليه، والغضب العربي منه، ليسوا بسبب الفساد، وإنّما بسبب الغطاء المسيحي الذي يوفّره للحزب خلافاً لإرادة المجتمع العربي والدولي الراغب بعزله وتعريته، طائفياً ووطنياً.  ولهذا أقدم باسيل على مغامرة ستثبت الأيام مدى صحتها. ما وشى بأن التقاطع على أزعور، كان إشارة واستجابة باسيلية كبرى، للغاضبين وفارضي العقوبات على السواء. وأنّ هذا التقاطع عبارة عن مسار باسيلي جديد، يفتح الطريق أمام مرحلة باسيلية جديدة بعيداً عن حزب الله، رسمت أرقام جلسة الانتخابات الرئاسية بالأمس، ملامحها الأولى.
أهلاً ابراهيم كنعان.. وللحديث بقية.