بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2023 12:00ص جنون الإنتخابات

حجم الخط
دخل اللبنانيون طقس الجنون، نسوا تاريخهم كله، صاروا يتلهون بإنتخابات الرئاسة، صاروا يتلهون بتسمية الرئيس. نسوا تاريخهم الحافل بالإنقسام، بالثورات، بالانقلابات، بالاحتلالات، بالإنشقاق والتمرّد والثورة.. نسوا تاريخهم في الصراعات الداخلية، وفي الإنخراط في الجبهات الخارجية.
دخل اللبنانيون طقس الجنون، نسوا تاريخ الإمارة في الثورة والتمرّد. نسوا حكم الإمارة، حكم القائممقاميتين. نسوا حكم المتصرفية وتسعة متصرفين من الأرمن، من خارج لبنان، كان يعينهم بنو عثمان. نسوا ثورة جبل عامل، وعامية إنطلياس، وإنتفاضة طرابلس، في العام 1936. نسوا تاريخ لبنان القديم والحديث في الثورات والانقلابات والمؤامرات. نسوا إحتلال الجنوب والجبل وبيروت.
دخل اللبنانيون طقس الجنون.. نسوا الثورة البيضاء، وثورة 1958 وثورة 1975. نسوا حتى ثورة تشرين الأول -2019. نسوا الطائف. نسوا الدوحة. نسوا الربيع العربي. نسوا داعش. وها هم قد إستفاقوا فجأة، نزلوا عن الشجرة ليتقاتلوا تحتها على صندوقة الإنتخابات، بعد سبعة أشهر من الشغور.
أنسى الجنون اللبنانيين، طعامهم وشرابهم اليومي، أنساهم تاريخهم في البكاء على الأبواب، أنساهم جنون الإنتخابات ودائعهم، رواتبهم، مدخراتهم.. أنساهم أنهم ينامون على العتمة الظلماء. أنساهم أنهم بلا ماء في عز الشتاء. أنساهم أنهم بلا ضمان صحي، ولا ضمان إجتماعي، بلا مدارس، بلا جامعات، بلا إدارة عامة، بلا موظفين
أنساهم جنون الإنتخابات أن العالم كله، غير مشغول بهم، غير آبه لهم. أنساهم، أن المعسكرات في إنتظارهم، أن الجبهات في إنتظارهم. أن السلاح في إنتظارهم، أن تاريخهم يدعوهم، إلى التقاتل، إلى التخاصم، إلى العداوات. ما هذا الشعب الذي ينسى أمراضه كلها، عند حلول موسم الإنتخابات الرئاسية؟! كيف يصاب فجأة بعدوى الجنون؟! متى الشفاء من دائه الذي إستبدّ به، وما عاد ينفع معه أي علاج؟
مع التلويح بالعقوبات، وجد اللبنانيون أنفسهم، أمام حفل جنون الإنتخابات، ما تركت لهم فرصة المماطلة، ولا فرصة التأخير، ولا فرصة التأجيل.. صارت ذقونهم كلها على المقصلة، ما عادت الذقون الكبيرة محمية، كل الرؤوس صالحة للذبح، الصغيرة منها والكبيرة، ما دامت مصابة بداء الجنون، جنون الإنتخابات.
في موسم الإنتخابات، لا يتلمس اللبنانيون، طريقهم للإنتخابات.. يتلمسون فقط، الرأس الذبيح، يفتشون عنه بين الرؤوس، فلا يجدونه، ولهذا ربما يتأجل لحتفه، موعد الإنتخابات.
متى تكون الرأس جاهزة للذبح؟ متى يحين موعد قطافها؟ متى تقدّم البلاد للجلاد؟ متى تغرق البلاد في دمائها؟ متى تحلّ عليها لعنة التاريخ؟ متى تطلب الموت الرحيم؟
حلّ موعد الإنتخابات، ولم يحن بعد موسم الجنون. يقطع اللبنانيون أوقاتهم كلها في البحث عنه، فلا يجدونه، يريدون رقعة من شمسه، يريدون فصلا من فصوله.. تأخّر عنهم التاريخ، لم يصل بعد إليهم، ما وصل إليهم بعد فصل الجنون، جنون الإنتخابات. ولهذا ربما، نراهم يهزلون، ولهذا ربما يلهون، ولهذا ربما، يظنون، أنهم، بعد أسبوع، سيذهبون إلى الإنتخابات. 
الإنتخابات عندنا، لم يحن موعدها بعد.. لا تزال تنتظر، رقعة من شمس الجنون!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية