بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 شباط 2023 12:00ص حربهم لا تتوقف.. وحربنا قد تبدأ

حجم الخط
عندما حدثت الحرب العراقية - الإيرانية كان بادآها ظاهرتيْن غير مألوفتيْن في عالم الحُكْم في العالم الثالث وبالذات الجناح الخليجي من هذا العالم. ونقول بادآها على أساس أن كلاً من الرمزيْن كان يريد لهذه الحرب أن تحدُث وتوّاقاً إلى أن يطلق رصاصة البدء كي لا يصل الآخر إلى تحقيق مرامه ويكون ذلك بغتة فلا تعود الفرصة مناسبة له على نحو ما يأمل. كما أن كلاً من البادئيْن كان أعدّ العدّة لها بالتدرج وبحيث ما أن يحدد ساعة الإنقضاص يواصل سريعاً تنفيذ برنامجه.
الحرب وبادآها تمّت على قاعدة الشراهة في السُلطة وتحقيق أحلام سلطانية يكون الواحد منهما ليس فقط سلطان وطنه وشعبه وإنما سلطان كما في الأيام الخالية أو سيد أمبراطورية مترامية الأطراف إذا جاز التحديد. كما أن البادئيْن إفترض كل منهما أن الأمر لن يستغرق أكثر من بضعة أيام ويتحقق المبتغى. يحقق الرئيس صدَّام الحلم رافعاً ورقة ردع المشروع الإيراني وبذلك يستقر مقامه رئيساً إلى آخر العمر لا منازع له فضلاً عن علو مقامه عربياً وإسلامياً ودولياً. وأما الإمام الخميني فإنه بالضربة المباغتة للعراق يحقق الإنجاز الأساسي في مشروعه وهو أن تصبح المراقد في كل من النجف وكربلاء رهن إرادته وذلك لأنه من دونها يكون فاقد الورقة الروحية وبفقدانها لا تعود طريقه سالكة نحو الورقة الأكثر أهمية في مشروعه وهي أن يكون المسجد الأقصى في عهدة مشروعه. ومن هنا إستحواذه على طيف رموز العمل الثوري الفلسطيني الذين أورثهم إلى خليفته المرشد الأعلى علي خامنئي يمارس من خلالهم دور المزايدة على العرب في موضوع الحق الفلسطيني.
ما ظنه بادئا الحرب العراقية - الإيرانية أتى عكْس الحسابات. فالذي يشعل الحرب لا قدرة له على محاصرة نارها على النحو الذي يتطلع إليه. ومن هنا فإن هذه الحرب التي ظناها بضعة أيام ويلزم كل من الطرفيْن حدوده مرتضياً بما لا يؤذي البلاد والعباد، دامت ثماني سنوات ومن دون أن يتهادن البادئان عند حلول مناسبات روحانية رمضانية أو عاشورائية. وعلى رغم الأفدح من الخسائر في كل المجالات فإن الجانبيْن لم يأخذا العبرة واستمر طيف الإحتراب وإعتماد القوة أسلوب تعامُل. البادئ العراقي وظف المكسب النوعي من المواجهة في أبغض توظيف وكانت النتيجة أن ما لحق به وبمحطات درامية في معظمها، كان ما يتمنى البادئ الإيراني هو إلحاقه بها، وتعويضاً عما أصابه وأوجزه الإمام الخميني بعبارة خلاصتها أن قبوله بوقف إطلاق النار كمَن يتجرع السم. ولتعويض الهزيمة والرهان الذي أفشله له صدَّام بدأ خامنئي من خلال حرسه الثوري يؤسس لحروب صغيرة وفي حسابه أن مردودها هو إبقاء المشروع الذي بدأه الخميني قيد الحياة. وفي هذا السياق اصطياد النظام السوري البشَّاري وإستيلاد «النظام الحوثي اليمني» وتنشئة كيان في لبنان من خلال «حزب الله» يتطور إلى حالة يصبح فيها الوطن الصغير وطنيْن أحدهما مثل قبرص التركية لا إعتراف به سوى من إيران على نحو إعتراف تركيا دون غيرها بتلك القبرص التي فصلوها عن الأم.
مناسبة هذا الإستحضار للتجربة العراقية - الإيرانية المريرة وكيف أن الحرب التي حدثت خرجت من أيدي البادئيْن صدَّام والخميني حيث إفترضا كل منهما القدرة على حسمها في بضعة أيام، أن الحرب التي بدأها الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا وفي حسابه أنها لن تستغرق أكثر من شهر وسيسارع الغرب من أجْل وقفها إلى تطييب خاطره ها هي على أهبة إكتمال سنة وتؤسس لسنة جديدة... فإلى ربما سنوات.
لقد دامت حرب صدَّام - الخميني ثماني سنوات هي في عمر المنطقة بمثابة ثمانين، فضلاً عن أن التداعيات مستمرة، وهنالك في الأفق إحتمالات كثيرة في هذا الشأن. وليس بالنسبة لحرب بوتين ما يشير إلى أنها لن تكون مثل حرب صدَّام - الخميني. فالرئيس الروسي بدأ حربه لأنه يتطلع إلى رئاسة دائمة وربما هاجسه قيصرة زعامته. وحاله هنا من حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هو الآخر من نسيج الحكام الشرهين الذين لا يتحملون وقوع الرئاسة الطريدة في أيدي صياد جديد ويعمل جاهداً لإبقائها بين يديْه، مع ملاحظة أنه في دوره العسكري في ليبيا وفي العراق وسوريا وكاد يكون بحرياً مع اليونان ومعظم الأطالسة، كان يريد إبلاغ الشعب التركي والشعوب العربية أنه هو سلطان الزمن الراهن.. الآتي، ثم يأتي الزلزال بما أفرزه من خراب وضحايا ومشاكل ليس بالأمر السهل حلها لتكون بمثابة وقفة تأمل في أن أي أحلام حتى إذا كانت سلطانية تتحول إلى كوابيس {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدِّث أخبارها...}.
وكما إفترض بوتين ومن قْبله أردوغان (بحروب من نوعية مختلفة من معالمها تجنيد مرتزقة) ومن قبلهما صدَّام والخميني، فإن الرئيس الأميركي وحلفائه الأوروبيين كانوا هم أيضاً البادئون بأسلوب مختلف أي الحرب ضد بوتين الذي بدأ الحرب، إنما بمساعدتهم المالية والسلاحية والإعلامية للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، حتى أن الرئيس بايدن قال على الملأ وأمام الكونغرس (يوم الأربعاء 8 فبراير/ شباط 2023) مخاطباً سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة التي كانت حاضرة «إننا سنقف إلى جانب دعم أوكرانيا مهما إستغرق الأمر». وفي اليوم نفسه يقول مستشار ألمانيا (حيث فيها مليون لاجئ أوكراني كما حال لبنان على سبيل المثال حيث فيه مليون لاجئ سوري) أولاف شولتس «ما يمكننا ملاحظته بعد عام من الحرب أن بوتين لن يحقق أهدافه لا في ساحة المعركة ولا من خلال فرْض معاهدة سلام. تنتمي أوكرانيا إلى أوروبا، مستقبلها في الإتحاد الأوروبي وهذا وعد من جانبنا مهم...».
خلاصة القول إن الرئاسة وكذلك الزعامة التي لا معارضة لها والتي هي مثل طريدة يتلهف لها الصيادون الشرهون تبقى بمثابة فتيل يشعل حروباً تتفجر كالبراكين أو تؤسس لأوضاع قابلة للتفجر كتلك التي يعيشها معظم غرب العالم مع شرقه الروسي.. إلاّ إذا تكررت واقعة علاج أزمة الصواريخ السوفياتية إلى كوبا قبل ستين سنة. ولقد دفع الثمن زمنذاك الزعيم الذي بقي لا إعتراض على قراراته (نكيتا خروشوف)، إلى أن حدثت الأزمة الصاروخية من أجل خاطر كاسترو التي كادت تؤسس للحرب العالمية الثالثة فكانت الخشية السوفياتية من ذلك ثم إسقاط خروشوف.
وربما لتفادي نهاية تفجيرية عالمية كما الحال من جانب روسيا بوتين مع أوكرانيا، أن تصبح روسيا التسوية من دون بوتين بخيار من جانبه أو برغبة ودّية من جانب الجنرالات، الذين بعد إنقضاء سنة على حرب كانوا فيها تنفيذيين وليسوا أصحاب القرار، يفضلون لملمة تداعيات ما حدث والمساعدة على أن تكون روسيا مثل الصين وليست مثل كوريا الشمالية ذات الشغف الصاروخي؟
وبعد مجريات تطورات الصراع البارد حتى الآن بين دول العالم الغربي والأوروبي وفي جزئية منه إسرائيل يبدو النظام الثوري الإيراني حاضراً بقوة ضمن إحتمالات حرب تخوضها إيران من لبنان فإذا ربحها تتبناها وتقطف ثمارها أما إذا جاءت النتيجة خسراناً فإنها تداوي المصاب الذي ينوب عنها في المواجهة المحتملة مع إسرائيل وتبقى السلطة في إيران سالمة... إلى حين. وبعد الذي سمعناه في خطاب الأمين العام ﻟ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يوم الخميس 16 شباط/ فبراير 2023 من تلويح بحرب ممكنة تكون ترجمة للفوضى المستشرية في لبنان، تتضح ظاهرة إستعمال القوي للضعيف قرباناً أو خروفاً يُنحر كما في مناسبة عيد الأضحى، وعلى نحو ما يفعل الغرب الأميركي - الأوروبي بالورقة الأوكرانية يسعى من خلالها إلى أن يبقى الشرق الروسي كما الصيني شرقاً ولن يتحاربا. والوضع في ما نعيش مفتوح على بدل الإحتمال الواحد عدة إحتمالات. ومَن يعش يرى ويتعظ. والله أكبر على المفترين.