بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2023 12:00ص حقاً إنها الحقبة السعودية

حجم الخط
لكل أمة كما لكل دولة مرحلة زمنية تحمل اسمها وأفعالها، خيرا كانت أم شرا، تقصر أو تطول، وتوصف بأسماء شتى منها فترة زمنية أو حقبة أو عهدا أو عصرا، وقد تلقى ترحيبا وثناء لما تحمله من خير لها ولمن حولها وللناس كافة، أو شجبا وإدانة واستنكارا لما تقدمه من خراب وتدمير واحتلالات لدول وشعوب أخرى، ولكل من هذه التسميات سمات توصف بها من المجتمع البشري نقول على سبيل المثال التاريخي، العصر الجاهلي، العصر الاستعماري، زمن الرأسمالية أو الاشتراكية أو زمن التحرر، زمن الثورة، ومما لا شك فيه أن أخطرها وأسوئها على البشرية هي الحقبة الاستعمارية الغربية وولاداتها النازية والفاشية والصهيونية ثم الزمن الأميركي الذي بدأته الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية باستخدام السلاح الذري الكارثي على اليابان ورميها بقنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، وحتى الآن أميركا مازالت بمنأى عن المساءلة والمحاسبة وإنزال العقاب على هاتين الجريمتين ومن المؤسف أن الضحية هي التي وقع عليها العقاب، هذا عدل الطغاة.
وحتى لا أغوص في التاريخ البشري - الإنساني نذكر أن الأمة العربية العظيمة باعتبارها قاعدة ومنطلق الرسالات السماوية الخالدة وأنبيائها ورسلها ما بين الجزيرة العربية وفلسطين، موطن أنبياء الله: موسى وعيسى وخاتمهم محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وبالنص القرآني (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وهذه أهم ثوابت الاستقامة للحياة البشرية-الإنسانية، وهذه الثوابت الثلاث هي تاريخ الأمة وحضارتها ومدنيتها وكانت بارزة وشهادة حق يعترف بها العالم بأسره في الحكم العربي - الاسلامي ثمانية قرون بالأندلس، أندلس العرب، لم تمارس هذه الأمة العدوان أو الاحتلال والاستعمار لدول وشعوب أخرى كما فعلت دول أوروبا الاستعمارية: بريطانيا، فرنسا وإيطاليا ومن ثم أميركا.
والأمة العربية منذ تكوينها بالإسلام الحنيف عرفت حقبا وأزمنة، الحقبة الأموية قاعدتها بلاد الشام والعباسية في العراق وانتقلت لمصر، وقدّمت الأمة للبشرية مبادئ حضارية وقيما وعلوما وثقافات وعدلا وحقوق الإنسان ومساواة لم تعهدها أمم وشعوب أخرى، وهذه حقائق وأن يخشى منها الغرب الأوروبي-الصهيو أميركي فيطمسون حقيقتها بالتزييف والخداع وبالقوة الغاشمة، وأوجدوا زورا وبهتانا كيانا مصطنعا لهم بفلسطين تحت ادّعاءات كاذبة لأهداف استعمارية هي إسرائيل.
ونعود للحاضر العربي، بعد الحقبة الناصرية التي قادها الزعيم القائد جمال عبد الناصر وبغيابه المفاجئ والصادم والذي بوفاته كسر ظهر الأمة وما زالت المعاناة قائمة لولا شعاع الأمل الذي انطلق بانتصار حرب اكتوبر/ تشرين العام ١٩٧٣ بالجيشين المصري والسوري وبمشاركة رموز عسكرية عربية أخرى، وبعدها ساد المنطقة العربية فراغا غير مسبوق بالقيادة وبالمركزية القاعدة وبالبرامج والخطط وصارت سمة الضعف والهوان هي البارزة مع حروب عربية - عربية وصراعات بين الأنظمة وشعوبها وتهجير قسري بالملايين من دول عربية عدة جراء الحروب والصراعات الدامية وغياب أدنى موجبات التضامن العربي، وسادت الفوضى التي وللأسف بشّرت بها المبعوثة الأميركية كونداليزا رايس، وباتت الساحة العربية بلا رأس وبلا قيادة تستحوذ ثقة شعوبها، وجاء الغزو الأميركي للعراق الذي أطاح بمكونات دولته وحلّ جيشه وحصار شعبه بأشدّ أنواع الحصار، ومن المؤسف بمساعدة أنظمة عربية أو بسكوتها على الغزو والعدوان وأيضا من دول غير عربية إسلامية ومن دول الجوار، وجاء ما يسمى بالربيع العربي وصار الضعف كما وصفه وحذّر منه نبي الإسلام بقوله: تتكالب عليكم أمم كثيرة، فقال السائلون: هل نحن قليل يا رسول الله؟ قال: بل كثير لكنكم كغثاء السيل.
أضاعوا انتصار حرب تشرين بمعاهدات مع الكيان العدواني الاستيطاني الاحتلالي معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ووادي عربة مع الأردن وأسلو مع منظمة التحرير واتفاقيات التطبيع مع الكيان الاحتلالي من دول عربية وحروب أهلية بهدف السلطة والتحكم والمال وحروب لا مبرر لها في سوريا واليمن وليبيا والسودان والكارثة القائمة في لبنان من الزمر الطائفية والمذهبية والعنصرية المتحكمة في أمور لبنان واللبنانيين وحالات الانهيار شبه الشامل للدولة اللبنانية، ولما جرى ويجري بين دول عربية وبين إيران وامتداداتها وما تركته مفاعيل حرب اليمن وشؤونها وشجونها وضياع الحابل بالنابل كما يقولون.
وجاءت ملامح الأمل والترياق من المملكة العربية السعودية وهي الدولة الأبرز والأهم على الساحتين العربية والعالمية والمبادرات والإجراءات التي قامت وتقوم بها بشجاعة نادرة وتصميم يبعث الأمل لدى الشعوب العربية المقهورة والمستاءة من الحالات العربية القائمة، ودخلت المنطقة العربية حاليا في ما يستحق تسميته الحقبة السعودية، أي تولي شأن المنطقة وأمنها وأمانها واحلال الوئام والوفاق بين أنظمتها وبعض مواطنيها وبالمحيط الطامع بمد نفوذه وسيطرته، وكل الأمة والشعب العربي يتطلع إلى كل ما جرى ويجري في مملكة الخير من متغيّرات وتحوّلات غير مسبوقة تحمل الأمل بحاضر أفضل ومستقبل أزهى، والوقائع والأدلة الموضوعية لهذا الدور والمسؤولية للمملكة تؤكده سلسلة المبادرات المستجدة الشجاعة في السياسات والمواقف التي تنتهجها المملكة العربية السعودية، نعدد منها التالي:
أولا- الموقع الديني الإسلامي الحنيف الذي استودعه الله تعالى لأرض الحجاز فجعلها مقرا لأول بيت وضع للناس بمكة المكرمة ومقصدا لأداء فريضة الحج ومولد نبي الإسلام وبدء الدعوة الإسلامية وظهور الإسلام الحنيف للعالمين والمدينة المنورة منطلق الدولة الإسلامية الأولى ثم جعل لأهلها على مرّ العصور خدمة الحرمين الشريفين ومقتضيات فريضة الحج والحجيج.
ثانيا- الدور الذي اضطلعت به المملكة تاريخيا تجاه الأمتين العربية والإسلامية ودولها وشعوبها ومقدساتها في اطار أمانة المسؤولية ومسؤولية الأمانة.
 ثالثا- التلاقي العربي الاستراتيجي والشراكة مع دولة الصين الصديقة الدائمة للعرب.
رابعا- انضمام المملكة الى منظمة شنغهاي مما يوفر لها موقعا عربيا قياديا مع أشقائها من الدول العربية: مصر والعراق وسوريا والجزائر وفلسطين ودول الخليج العربي.
خامسا- اتفاق التصالح الهام بين المملكة وإيران وما حمله وسيحمله من معانٍ صداقة وأخوة إسلامية وحماية للأمن والاستقرار والعيش السويّ لأمتين عظيمتين قدّما للبشرية خيرات وفوائد كثيرة لا غنى عنها وتداعيات هذا التلاقي الهام على أعداء الأمة العربية والإسلامية.
سادسا- السعي الجدّي والدؤوب لحل الصراعات العربية - العربية في عدد من الدول العربية وفي مقدمتها إنهاء حرب اليمن بما يحفظ البلاد والعباد ووحدة الشعب اليمني ووحدة أراضيه ودولته ومؤسساته وأمنه واستقراره.
سابعا- السعي لحل الصراعات العسكرية القائمة في السودان وما تحمله من مخاطر على الدولة والشعب السوداني بمشاركة دول عربية أخرى وخاصة مصر المعنية مباشرة بوحدة بلاد النيل والجوار الجغرافي ووحدة الشعبين المصري والسوداني التاريخية.
ثامنا- الحل السريع للصراعات العسكرية الدائرة على الأرض الليبية والخلافات التي تبرز في مناطق عربية أخرى.
تاسعا- الجهد الذي بذلته المملكة والأردن وجامعة الدول العربية لاستعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي في جامعة الدول العربية ومسؤولياتها العربية ودورها القومي الدائم للقضايا العربية وفلسطين والتضامن والوحدة العربية.
عاشرا- انعقاد مؤتمر القمة المنتظر في عاصمة المملكة بالرياض وبنتائجه الإيجابية عربيا وتجاه القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى والتضامن العربي المطلوب وبسرعة وتنفيذ قرارات القمم السابقة خاصة قمة الجزائر.
وأخيرا كل هذه الخطوات المباركة والمؤيدة من جماهير الأمة العربية وما تحمله من آمال يؤكد دور المملكة العربية السعودية ومسؤولياتها المتعاظمة تجاه الأمتين العربية والإسلامية وتجاه شعوب ودول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وتجاه عالم الأمن والسلام الدوليين واحقاقا للعدل خاصة في فلسطين، وهو ما نوّهنا عنه في مقالات سابقة لنا نشرت في جريدة «اللواء» الغرّاء إحداها بعنوان: «دول الأمة العربية على الطريق الصحيح نحو نهوض جديد» بتاريخ الأول من نيسان الشهر الماضي، وآخر من سنتين بعنوان: «إصلاح ذات البين بين دول عربية وإيران». والله ولي التوفيق.