بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 أيلول 2021 12:02ص حكومة ميقاتي والتغيير المنتظر

حجم الخط
إن حكومة الرئيس ميقاتي تمتاز بكونها ذات عمرٍ محدود، تنتهي بعد أشهر معدودة، فما عساها أن تنجز خلال هذا الأمد القصير؟ ونحن مقبلون على رفع كلّي للدعم، ومشاكل سوف تأخذ بتلابيب المجتمع: أزمة مالية مستحكمة تتجلّى في عجز متفاقم ودين متعاظم، ركود إقتصادي يترافق مع تنامي البطالة وتزايد الهجرة إلى الخارج، وإدارة عامة تتّسم بالفساد والعقم والتسيّب، واستشراء الفساد في المجتمع على كل صعيد بفعل الزبائنية السياسية، وضمور الممارسة الديمقراطية وتعطّل آليات المحاسبة والمساءلة على شتى الصعد، وتعرّض القضاء للضغوط، وتجذّر الحالة المذهبية والطائفية. 

إنّ مسؤولية الواقع الذي نعيشه تقع على كل من كان مسؤولاً عن التعطيل طوال الفترة الماضية، ورئيس الجمهورية بطبيعة الحال ليس في حلّ من التبعات السياسية باعتبار أنّه يترشح بناء على برنامج سياسي، ويفتتح عهده بخطاب القسم المفعم بالكلام السياسي ولا يصدر مرسوم دون موافقته، ولو أنّ الأداء سيبقى أداءً حكومياً.

كما أنّ الافراج عن الحكومة بعد التنسيق الفرنسي - الإيراني، دليل على أنّ القوى الإقليمية لها دور كبير في تسيير شؤوننا الداخلية وعرقلتها، كي تأتي النتائج على خاطرها، وبما يحقّق أهدافها في المنطقة. أما تبعات ذلك اجتماعياً واقتصادياً، فحدّث ولا حرج، فقد ورثنا وضعاً مزرياً، وما على حكومة الرئيس ميقاتي المحدودة إلا أن تمنع الانهيار الكامل.

لكن طالما أنّ الانتخابات النيابية قد أضحت قاب قوسين أو أدنى، فالمعوّل على دور الحكومة الجديدة في إدارة العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية، للوصول إلى مجلس نيابي يعبّر حقيقةً عن تطلّعات الشعب، وباستطاعته أن يؤسس لعهد جديد قادر على النهوض بالبلد، خصوصاً من خلال تحسين علاقته بجواره العربي. ولتحقيق ذلك، فإننا نأمل أن يحرص الرئيس ميقاتي على ألا تتحوّل العملية الانتخابية إلى سوق نخاسة تُشرى وتباع الضمائر والآراء والمواقف والأصوات فيها، من قبيل الرشوة الانتخابية.

أما الإصلاح السياسي، فإننا نؤكّد بأنّ أي عملية إصلاح لا يمكن أن تُجرى إلا من خلال قانون جديد للانتخابات النيابية، ويجب أن يكون أوّل الأولويات في برنامج حكومة الرئيس ميقاتي، الإعداد لمشروع قانون انتخابات متطوّر وعصري. ونحن نرى أن الموضوع يجب ألا يستأخر حتى الشهر الأخير من موعد الانتخابات، كما تجري العادة في لبنان. ونشدّد على أهمية مشروع ينهي ظاهرة البوسطات والمحادل الانتخابية من دون الإتاحة للاعتراض على ضرورة الإصلاح السياسي. خصوصاً أن قادة المحادل ينقلبون إلى رؤساء كتل كبرى في مجلس النواب، ويهيمنون على القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن ثمّ فإن مسار التغيير يقضي بإنهاء المحادل للمحافظة على مستقبل البلد.

ومن الطبيعي أن تعكف الحكومة الجديدة قدر الإمكان على إجراء الإصلاحات التي نصت عليها المبادرة الفرنسية، في قطاع الكهرباء وضبط المعابر الشرعية ومراقبتها كالمطار، ووقف التهريب عبرها، وإغلاق المعابر غير الشرعية، فضلاً عن مكافحة الفساد داخل المؤسسات العامة، وإعادة إعمار بيروت المدمّرة، وخصخصة عدد من مؤسسات الدولة التي تستنزف المليارات، وإلغاء المجالس والصناديق والهيئات التي تعتبر تنفيعات وأبواب هدر ومفاتيح انتخابية للسياسيين، وإنشاء صندوق سيادي للأصول والموجودات من إيرادات شركات وأراضٍ ومبانٍ تابعة للدولة، بالإضافة إلى شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان والأملاك العامة التابعة لشركة انترا.

ولا فكاك من إيجاد مخارج من الكوارث الإجتماعية المرتقبة حال رفع الدعم، تستدعي تنمية رأي عام ضاغط في اتجاه الإصلاح، فيفرض على الطبقة السياسية فرضاً ولو لم يكن في مصلحتها. كما يجب الحرص على أن يتضمن البيان الوزاري القيام بالإصلاحات المطلوبة، والإعداد لقانون انتخابي عصري ومتطوّر ومكافحة الرشاوى الانتخابية لضمان نزاهة العملية الانتخابية، وتحسين العلاقات مع الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، لعودة الاستثمارات العربية إلى لبنان.

وما الطابع الودّي والعفوي لترحيب المواطنين بولادة الحكومة، إلا دليل ملموس على مدى تعطّشهم إلى عودة المؤسسات الدستورية للعمل، وتوقهم إلى التغيير. ولذلك، ممنوع على الحكومة أن تعلن عجزها، وهزالة الممارسة الديمقراطية يجب أن تتحسّن شيئاً فشيئاً، لكي لا يبقى النظام مسخّراً لخدمة الطبقة السياسية المسيطرة وحمايتها وتحصين مصالحها، عوضاً عن خدمة الشعب.

وختاماً، أمام لبنان اليوم استحقاقين يمكن للشعب أن يفرض من خلالهما إرادته من جديد: الانتخابات النيابية، والانتخابات الرئاسية. فهل سيملي المواطن اللبناني إرادته فيهما، أم سيعود لاختيار نفس الأوجه، ومواجهة نفس المصير؟ ولو أنه يلوح في الأفق تبدّل جذري في الأجواء، يبشّر بأن صوت المواطن الحرّ سوف يخترق الواقع الرديء، ولذلك فإنّ كل الأمل معقود على ذلك.