بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 نيسان 2023 12:00ص خلوة آلام... المسيحيين يوم أربعاء أيوب!

حجم الخط
«‏‎وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُم جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (متى ١٣:٢١).
بالفعل هذه الآية من العهد الجديد في الكتاب المقدّس نعيشها اليوم ما بعد العهد المُشين والمُهين للبنانيين المساكين.
قد نظن أن الله عزّ وجلّ قد إحتار في زمن الصوم من تضرعات فاسدين في هذه الخلوة الدينية.
هل فعلاً هناك من قرّر أن يتوب يوم أربعاء أيوب؟
منذ بدء أزمة الفراغ الرئاسي لم يألُ البطريرك الماروني بشارة الراعي جهداً لحثّ نوّاب الأمّة على انتخاب رئيس للجمهورية وقد يكون صبر أكثر من النبي أيّوب، وآخر مبادراته دعوة النوّاب المسيحيين إلى يوم اختلاء روحي في بيت عنيا - حريصا للصلاة من أجل لبنان.
تتزامن هذه الدعوة البطريركية مع صدور مواقف متتالية عن رئيس البرلمان نبيه برّي تقول صراحة أو تلميحاً أنّ أزمة الرئاسة هي أزمة مارونية - مارونية بالنظر إلى الخلاف بين الأحزاب والقوى المارونية حول الانتخابات الرئاسية.
تُثمَّن مساعي البطريرك الراعي الدؤوبة لملء الفراغ الرئاسي، فهو يستعيد ما ورد في وثيقة الكنيسة والسياسة الصادرة عن المجمع البطريركي الماروني والتي تنص على «أنّ خلاص لبنان يكون لكلّ لبنان أو لا يكون، ويقوم بكلّ لبنان أو لا يقوم، ذلك أنّه ليس من حلّ لمجموعة دون أخرى، ولا لمجموعة على حساب أخرى».
ما يعني أنّه ليس هناكَ حلّاً مسيحياً لأزمة المسيحيين كما أنّ ليس هناك حلّاً مسلماً لمشكلة المسلمين.
فكلّ أشكال الحلول الترقيعية والجزئية هي حكماً ساقطة كنسياً ووطنياً ومنطقياً إن كانت فدرالية أو تقسيميّة مناطقية أو طائفية فكما قال جورج نقّاش سنة ١٩٤٩ «Deux négations ne font pas une nation!» بما معناه «سلبيَتان لا تصنعان أمّة» فسلبيات هذا اللقاء أكثر من إثنتَين بدايةً مع التسريبات التي حصلت قبل هذا اللقاء ومنها من يقول أن بكركي إختصرت هذه المرّة الطائفة المارونية بلائحة تضم ١٦ إسما على غرار اللائحة التي ضمّت ٤ أسماء قُبَيل إنتخاب عون أفضت إلى إنتخابه... والباقي تاريخ لا يريد أحد ذكره كما حصل أواخر الثمانينات «الضاهر أو الفوضى».
ومنها من يقول أن البطريرك طلب من حزب الله إختيار ٣ أسماء مرشحين.
والبعض الأخير يقول أن الثنائي الشيعي الحاكم بأمر الله مختصراً الطائفة الشيعيّة به حصر الترشيحات بسليمان فرنجية وتحديداً «سليمان الصغير».
والواقع يؤكد أن اللقاء عَوَّم سياسياً من كان في مرحلة النسيان، ووقعه السيئ أنّه جَمَعَ من هم سبب الأزمة كي يخرجوا بحلول لها فسَبَب الأزمة لا يمكن أن يكون حلّها.
بعضهم اتخذ قراره وأعلن وجهته ألا وهي الخليج على قاعدة مصلحة مالية آنيّة مستقبلية مستنداً على واقع قُرب طرحهم من رؤيته مبدياً أهمية خزائنه لتأمين إستمراريته وحزبه وشعبيته.
بعضهم الآخر قرّر التوجّه شرقاً ضد الخليج على قاعدة الممانعة الأقوى حالياً في لبنان حسب قوى الأمر الواقع التي تفرض نفسها إحتلالاً وتتحكّم بمكامن الدّولة وتختزل قرارها وتفرض مرشحها.
وبعضهم للحظة يخطب وطنياً رغم حجمه المتواضع مسيحياً ولبنانياً ويدافع عن فكرة الدولة، وهي جماعة تنشر خطاباً مزدوج اللغة يدخل إلى أذن السامع كالموسيقى الراقية للراقيين والشعبية للشعبيين في آن.
نيافة الكاردينال،
هؤلاء النوّاب بغالبيتهم مشكوك بولائهم... نعم مشكوك بولائهم للمسيحيين ولمصلحتهم الوطنية فأنت لم تتعب ولم تكلّ دعوتهم للقيام بواجباتهم الوطنيّة وهم لم يكرّسوا لها شأن أو اهتمام واستمرّوا بالخراب.
هؤلاء النوّاب بغالبيتهم أصحاب قدرات، والسؤال: هل استثمروا جزءا منها لمساعدة الكنيسة وشعبها وحتى لو عِشر -(كما يذكر العهد القديم)- مصاريف حملاتهم الإنتخابيّة وسيّاراتهم الفارهة وحياة الترف التي يعيشونها في الوقت الذي نرزح جميعنا تحت وطأة إستجداء لقمة عَيش ودواء لداء خبيث أخبث وأمكر منهم؟
ولعل بعضاً من هذا المكر أن يستأثر بنيافتك أحدهم بحديث جانبي خلال الخلوة كي يُظهر حجماً للإعلام وكي يضع نفسه محطّ إهتمام خاص ليخرّب صورة الأب الذي لا يفرّق بين أولاده حتى لو كان بعضهم ضالاً.
سَيّدنا رأس الكنيسة المارونيّة، 
كان الأجدى مقاطعتهم وعدم استقبالهم ولا من يمثلهم حتى يعودوا إليك ليقوموا بواجبهم، فالسيّد المسيح ثار على تجّار الهيكل. وبهذا المعنى فإن الثورة على تجّار الوطن واجب وفريضة على ما علّمتنا الكنيسة المارونيّة عبر التاريخ. وفي هذا السياق نستذكر مواقف الكنيسة الإستثنائية ووقوفها ضد الإحتلال العثماني ومؤخراً الإحتلال السوري مروراً بما بينهما من أدوار وطنيّة جامعة منها قيام دولة لبنان الكبير ١٩٢٠ وإستقلال لبنان ١٩٤٣ والحرب اللبنانية التي بدأت ١٩٧٥. وبناءً على ما سبق من حقّنا نحن المسيحيين الذين نعاني من الإحتلال الإيراني أن ندعو ونرجو كنيستنا أن تستكمل مسيرة مقاومة الاحتلالات وبقائها رأس حربة دفاعاً عن كلّ لبنان بوجه كلّ طامع.
سيّد بكركي الذي أعطي له مجد لبنان،
نعلم أن الإعلام سيف ذو حدَّين فبعض تسريباته تكون مفيدة تارةً وقد تكون ذو أغراض وغايات طوراً. وقد سُرّب مؤخراً إنغماس الصرح بلعبة الأسماء والأخذ والردّ بهذا الملف الذي صار يلفّه الغموض ونعلم أيضاً أن ما يصدر عن بكركي يكون جهاراً وليس تسريباً، لذا نحن بإنتظار توضيح سيّد بكركي الرسمي نفياً أو تأكيداً الذي لطالما اقتدينا به ونعَوّل على حكمته لحل هذه المعضلة الوطنية الكبرى.
فالحلّ لهذه المعضلة الكبرى هو قبل كلّ شيء، وكما ورد في نصّ وثيقة الكنيسة والسياسة، هو «من خلال تطبيق وثيقة الوفاق الوطنيّ نصًّا وروحاً، ويتحقق هذا الوفاق الوطنيّ بالاتفاق على قيم مشتركة، هي الحريّة والديمقراطيّة وسيادة القرار السياسيّ الداخليّ وصياغته في المؤسّسات الدستوريّة، وتجسيد هذه القيم الوطنيّة على قاعدة العيش المشترك».
نعم إن رئيس الجمهورية المنشود هو ذلك الذي يؤمّن شروط الدولة المنشودة، والتي تؤمّن، بحسب النصّ إياه:
«١- التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة.
٢- الإنسجام بين الحريّة التي هي في أساس فكرة لبنان والعدالة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات.
٣- الإنسجام بين حقّ المواطن الفرد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه ورسم مستقبله، وبين حقّ الجماعات في الحضور والحياة على أساس خياراتها.
٤- الإنسجام بين استقلال لبنان ونهائيّة كيانه، وبين انتمائه العربيّ وانفتاحه على العالم.
كما أنّ الموارنة الذين أظهروا دوماً تعلّقهم بلبنان حرّ سيّد ومستقلّ ذي نظام ديمقراطيّ، مدعوّون لأن يتمسّكوا بهذا النظام ويدافعوا عنه، لأنّه الشرط الأساس لبقاء لبنان».
فهذه البنود موجودة في الوثيقة الكنسيّة التي تم نشرها بموافقة الفاتيكان بعد العمل على جميع بنودها من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٠٦ وقد إستشهد فيها «لقاء سيّدة الجبل» في بيان ٣ نيسان ٢٠٢٣.