بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيلول 2023 12:00ص دفاعاً عن الخارجية لا عن آمال مدللي

حجم الخط
النزاع الذي قام بين معالي وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بو حبيب والسيدة آمال مدللي مندوبة لبنان السابقة في الأمم المتحدة والتي ظهرت معالمه في وسائل الإعلام ببيانين صادرين عن كل منهما، أثار موجة من التساؤلات حول العمل الدبلوماسي، وكسفير متقاعد، أودّ إبداء رأيي، دفاعا عن الخارجية وليس دفاعا عن أحد.
لا أحد يشكّ في كفاءة السيدة آمال مدللي، ودورها الذي قامت به في الأمم المتحدة، رغم كونها سفير من خارج الملاك وقصر المدة التي أمضتها.
وكذلك لا أحد يشكّ في كفاءة وزير الخارجية والمغتربين د. عبد الله بو حبيب، كونه قبل أن يكون وزيرا للخارجية، له تجربته كسفير سابق للبنان في الولايات المتحدة حيث عيّنه الرئيس السابق الشيخ أمين الجميّل، كسفير من خارج الملاك، وبعدها أستاذا جامعيا.
الخلاف بين معاليه والسفيرة مدللي يدور حول قرار مجلس الأمن التجديدي للقوات التابعة للأمم المتحدة (UNIFIL) الصادر عن مجلس الأمن العام الماضي والذي كانت صياغته باعتراف الجميع مجحفة بحق لبنان، وقد حاول معاليه هذه السنة تعديل هذا النص، وذهب على رأس وفد دبلوماسي رفيع، للأمم المتحدة وحاول جاهدا تعديل النص القديم فلم يوفق ولكنه، حسب قوله، تحاشى الأسوأ، لأن النص الجديد الذي كان مقترحا أسوأ من النص القديم، فنجح في إبقاء القديم على قدمه.
قوات اليونيفيل موجودة في لبنان منذ العام 1978 وتُجدّد مهامها سنوبا سندا للقرار 425 الصادر في 19 آذار عام 1978 بعد العدوان الإسرئيلي، وحيث أشار في الفقرة الثالثة منه « ویقرر، في ضوء طلب الحكومة اللبنانیة، تشكیل قوة مؤقتة تابعة للأمم المتحدة في الحال، تخضع لسیطرتها, لتعمل في جنوب لبنان بقصد التحقق من انسحاب القوات الإسرائیلیة، وإعادة السلام والأمن الدولیین، ومساعدة حكومة لبنان على تأمین عودة سلطتها الفاعلة إلى المنطقة، على أن یتم تشكیل القوة الدولیة من أفراد من دول أعضاء في الأمم المتحدة». فهذه القوات موجودة لهدف محدد وبصفة مؤقتة والأهم انها موجودة بناء لطلب الحكومة اللبنانية وتخضع لسيطرتها. ويجب الاعتراف بأنّ صيغ التمديد عدّلت كثيرا، وكان لبنان يقبل بل يرضخ لما يتضمنه من موجبات لأكثر من سبب، ولعل الأهم هو حاجة لبنان لهذه القوات للحفاظ على الأمن والسلم، علما بأن هذه القوات لم تمنع العدوان الإسرائيلي عام 1982 ولا الاجتياح الإسرائيلي عام 2006.
وطالما أن لبنان كان يقبل بالصيغ التي تعرض عليه، فلماذا هذا البيان التجريحي بحق السيدة آمال مدللي؟ وإذا كان ما تضمنه البيان صحيحا فأنه أتى متأخّرا عاما كاملا عن موعده.
لن أناقش ما تضمنه القرار لأنه لا يمكن تعديله، ولكن يمكنني مناقشة ما كان يجب أن يقوم به لبنان -الدولة، وليست بعثته في الأمم المتحدة، التي يجب أن يكون دورها تنفيذ تعليمات الحكومة اللبنانية، وتكون البعثة بشخص رئيسها مسؤولة عن أي تقصير في تنفيذ التعليمات ولا يمكن مساءلتها عن تقصير عند عدم وجود التعليمات، فالحكومة بشخص وزير خارجيتها تحدد للبعثة أصول التحرك والاتصال والمراجعة كما يمكن أن تحدد لها نصا معينا يمكن قبوله ونصا آخر يقتضى رفضه، وتطلب منها إيداعها بكل جديد ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وأتى بيان وزير الخارجية المتأخّر كما قلت، ليثير غبارا على نشاط السيدة مدللي، وأنها قصّرت في نشاطها وبسبب هذا التقصير صدر القرار المشكو منه، ولكن بالعودة لبيان السيدة مدللي تبيّن أنها كانت تسعى جاهدة وبكل إمكاناتها للتواصل مع معالي الوزير، لدرجة الاتصال بمعاونيه، للحصول على رد محدد لما سبق أن أثارته من ملاحظات بشأن مشروع القرار، وبعد ذلك أتى بيان الوزير الثاني وكان أسوأ من الأول. فالبيانان اللذان أصدرهما الوزير بو حبيب شكّلا إدانة له أكثر مما قالته السيدة مدلّلي:
1- فهو لم يكن بحاجة لأن يقول في بيانه الأول أنها صرفت من الخدمة بسبب تقصيرها في عملها، ثم يقول في بيانه الثاني انها أحيلت على التقاعد.
أين المصداقية يا معالي الوزير؟
ماذا سيقول السفراء الأجانب المعتمدون في لبنان لدولهم؟
ألم يكن من الأفضل عدم التشهير بدبلوماسي بدون وجه حق، لتبرير الفشل بعدم تعديل قرار التمديد، خاصة وانكم كنتم زملاء كدبلوماسيين من خارج الملاك؟!
وعلى افتراض أن ما قاله الوزير عن صرفها من الخدمة بسبب التقصير صحيحا، فماذا سيقول السفير الفرنسي عن الميزان غير العادل، مقارنة بما قام به السفير السابق للبنان في فرنسا السيد رامي عدوان المتهم بارتكاب جرائم في فرنسا يعاقب عليها القانون الفرنسي، فشكّلتم حماية دبلوماسية له وطلبتم منه الاستقالة ولم يصرف من الخدمة، بل طلبتم أن يحاكم في لبنان بدلا من فرنسا على أعمال جرمية حصلت على الأراضي الفرنسية. فإذا كانت المخالفة الإدارية تقتضي الصرف من الخدمة، فماذا كان يستحق المتهم بجرائم يعاقب عليها القانون الفرنسي؟
وإذا كان الاتهام هو نوع من التذاكي لرفع المسؤولية واستسهال اتهام موظف فقد أثبتت هذه السياسة فشلها.
2- لم يكن بحاجة لأن يقول في البيان بأنّ مندوبة لبنان في الأمم المتحدة قد قصّرت في عملها، لأنه بذلك يتهم نفسه بالتقصير، فالدول الخمسة عشر الأعضاء في مجلس الأمن لهم سفرائهم في لبنان، فإذا لاحظت يا معالي الوزير أن السفيرة في الأمم المتحدة قصّرت، فهل استدعيت سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمعتمدين في لبنان أو استدعيت المندوب العربي في المجلس، سفير الامارات العربية المتحدة، لدعم الطلب اللبناني في تعديل القرار المذكور، فلو اجتمعت بهم وبباقي السفراء الأعضاء غير الدائمين لكنت عوّضت هذا التقصير.
يبدو أن معالي الوزير يعتبر أن دوره يقتصر على إرسال الكتب والتعليمات. ولكن الدور يكتمل بالنتائج التي تتوّج بها الجهود، ولهذ يقتضي منه المتابعة عن قُرب والسعي بأكثر من اتجاه، وأن لا يتوقف حتى تتكلل الجهود بالنجاح. أما القول بأنه أرسل تعليمات للبعثة بتاريخ 22 آب (استلمتها البعثة بتاريخ 29 آب) فهذا لا يبرر توقف معاليه عن الاتصال بالجهات الدولية الفاعلة وخاصة وأن جهود الوزير هي أهم من جهود المندوب الدائم ولكن الأثنين يكملان بعض.
3- ما كان عليه أن يقول أن السفير الذي أمضى ست سنوات في الأمم المتحدة لا يحتاج إلى تعليمات لأنه غير صحيح، فالسفير يتشاور دائما مع حكومته، وتجربة السنوات تكسبه خبرة ولكن لا يمكنه أن يستغني عن الاتصال بوزارة الخارجية ليضعها في آخر المستجدات ويتزوّد بالتوجيهات اللازمة، وقول الوزير أن سفيرا أمضى مدة معينة في مركزه ليس بحاجة لتعليمات، هو اعتراف من الوزير بالتقصير في المشاورات مع هذا السفير أو ذاك لأن جميع السفراء في الخارج مضى على وجودهم أكثر من أربع سنوات. وعدم التواصل مع السفراء وترك الأمور على غاربها، بحيث يكون لكل سفير أن يتصرف كما يشاء لأنه ليس بحاجة لتعليمات تعتبر اجتهادا جديدا في العمل الدبلوسي وهو غير مقبول. أمّا إذا كان معاليه يتواصل مع بعض السفراء ويستبعد آخرين مثل مندوبتنا في الأمم المتحدة فهنا الطامة الكبرى، إذ كيف يمكن استبعاد التواصل مع هذا المركز الذي هو الأكثر أهمية.
كان يمكن لمعالي الوزير أن يكتفي بالتبرير والقول بأن البعثة بذلت جهودها، دون أن يحمّل المسؤولية لموظف بعينه، فالوزير في جميع الحالات شريك في المسؤولية، فإن كان هناك تقصير فهو مسؤول عن تقصير سكت عنه سنة كاملة، وردّ السيدة مدللي يثبت العكس. ونتمنّى أن تتوقف عملية تبادل إلقاء التهم بالتقصير على بعضنا، خاصة وأن معاليه شاهد بنفسه التصلب الدولي تجاه لبنان ، وهو أمر بالتأكيد ليست مسؤولة عنه السيدة مدللي.