25 حزيران 2023 03:17م روسيا وثنائية "بريغوتين"!

حجم الخط
لطالما أثار نيكولا ميدفيدف الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ويثير الذعر حول العالم وهو يهدّد باستخدام بلاده للسلاح النووي. أكثر مسؤول روسي رفيع هدّد وتوعّد باستخدام السلاح النووي هو ميدفيدف.
بالأمس بدا ميدفيدف مذعوراً وهو يحذر من مخاطر دولية كبرى في حال امتلاك بريغوجين زعيم فاغنر للسلاح النووي.
ما تقدم يشكل ملمحاً عميقاً عن حبس الأنفاس الذي عاشه العالم أمس، وسط ضخّ كمية هائلة من التحليلات والسيناريوهات المتنوعة والمتضاربة حول حقيقة ما يجري في روسيا. فهل ما حصل تمرّد عسكري، أم إنقلاب عسكري يستهدف قادة وزارة الدفاع، أم أنه يستهدف القيادة العليا لروسيا وعلى رأسها بوتين.
والحقيقة فقد اختلط الحابل بالنابل حول حدود نوايا بريغوجين العميقة. وقد بدا العالم مذهولاً وهو يسمع أن قوات فاغنر بدأت تقترب من محيط موسكو، وبدت الأسئلة الصعبة تطرح.. أين الجيش الروسي، ولماذا الاستعانة بقوات جمهورية الشيشان، وليس بالجيش الروسي؟
مع حمأة التصعيد الذي تلقفه الرئيس بوتين، وتحدث فيه بحزم عن الخيانة الوطنية والتمرّد الخطير، وعن الطعنة في الظهر، ما وفّر انحيازه وتغطيته لوزارة الدفاع ووزيرها شويغو ومعه كبار أركان وجنرالات الجيش الروسي، ما أوحى بأن الأمور ذاهبة ليس الى مجزرة قوامها سحق قوات فاغنر وطباخها بريغوجين، بل ربّما الى حرب أهلية طاحنة لا أحد يتوقع حدود وحجم تداعياتها الدولية.
فجأة سحب فتيل الانفجار، وحدثت التسوية المتوقعة التي طوت 24 ساعة من حبس أنفاس الكوكب، حبث نجح رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو وبتفويض من بوتين في إبرام تسوية مع زعيم فاغنر، قضت باعلان بريغوجين الاستدارة الى الخلف، مقابل تعزيز حصانة فاغنر الأمنية ووقف اجراءات الملاحقة القضائية بتهمة التمرّد والعصيان المسلّح، وربما ستشمل تغييرات في وزارة الدفاع التي تمكن بريغوجين من هزّ أركانها، قبل أن ينتقل ضمن التسوية الى منيسك عاصمة روسيا البيضاء.
لكن ما الذي منع فلاديمير بوتين من سحق فاغنر، وما الذي منع الجيش الروسي من ضرب واستهداف أرتال فاغنر العسكرية وهي تشق  طريقها الى العاصمة الروسية موسكو. هذه  الأسئلة وغيرها، ألهبت خيال المحللين والخبراء الذين كان أغلبهم ينساق وراء تمنياته.
حزم بوتين في تغطية وزارة الدفاع والجيش الروسي، لم يمنعه من ابرام "التسوية الحكيمة" والمفضلة مع بريغوجين الذي تمكّن من إسماع وجهة نظره لبوتين حول الاخفاقات والفساد خصوصاً سوء ادارة الحرب في اوكرانيا. لكن لماذا التسوية؟
لأن فاغنر حققت نجاحات كبيرة في اوكرانيا، وقبلها في جزيرة القرم وضمها الى الاتحاد الروسي. كما لأنهت نجحت في بناء وإرساء نفوذ روسيا والرئيس بوتين "السترالوجي" الميداني في ليبيا والسودان ومالي والجزائر وافريقيا الوسطى وسوريا أيضاً.
وكلنا يلاحظ عمق التحديات التي شكلتها فاغنر للولايات المتحدة في استراتجيتها للعشر سنوات المقبلة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا انطلاقاً من ليبيا.
بهذا المعنى، قوات فاغنر ليست مجرد أزمة داخلية للرئيس الروسي، بل إنها عبارة عن استثمار استراتيجي يتعلق بنفوذ روسيا الخارجي. لهذا كان لا بدّ من تسوية حكيمة من قبل بوتين مع بريغوجين، تسوية أفصحت عن معادلة أو ثنائية جديدة اسمها "بريغوتين" التي ربما ينتهي مفعولها في اللحظة التي يرتئيها بوتين للفصل بين  فاغنر وطباخها.
ختاماً، ربما يتوجب على المتشمتين بالرئيس بوتين، ألا يغفلوا بأن لكل قصر طباخه.
وللحديث بقية.