بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الأول 2020 12:02ص «سوق الكتب».. حجر يثقب ليل الثقافة الدامس!

حجم الخط
في زمن كارثة شاملة متعددة الأوجه في البلاد، إقتصاديا وإجتماعيا وحياتيا وسياسيا وإنسانيا، يمكن للكتاب أن يبدو من الكماليات وهو المتلقي للأزمات المتتالية في ظل الإنحدار الدراماتيكي لسوق الكتب وللثقافة في شكل عام، ولم يكف الكتاب ذلك لتشكل الأحداث الأخيرة سببا لانقطاع شبه كامل في نشاطاته أخيرا ومن بينها معارض الكتب المتنوعة.

«سوق الكتب.. وأكثر!»

إنه عنوان نشاط ثقافي إفتتحه «سوق الطيب» أمس الأول ويمتد لثلاثة أيام، ليخرق الركود المعرفي المخيف وسط جمود الحال الثقافية وغياب أنشطته وأهمها في هذه المواعيد من كل عام «معرض بيروت الدولي للكتاب». 

«سوق الطيب» ليس وليد اليوم، بل يعود لسنوات خلت وأنشىء أساسا بهدف دعم الزراعة المحلية والقائمين عليها، وخاصة لناحية المونة ما يفيد من يأتي من البعيد لبيع أغراضه في العاصمة بيروت، وقد إستمر حاله طويلا بنجاح.

والنشاط الثقافي اليوم تحتضنه قاعة «سوق الطيب» في منطقة مار مخايل حيث تجتمع فاعليات تعني بهذا الشأن وبالكتاب على وجه الخصوص وصناعته. ولذلك دلالته الرمزية العميقة وسط المعاناة الشاملة في البلد إقتصاديا التي ترخي بظلالها طبعا على الشأن الثقافي والمعرفي في ظل الضائقة المعيشية التي تغيب الحديث عن الكتاب أصلاً!

في المكان، حشد من ذوي الإهتمام، وهم من الشباب خصوصا ومن الجنسين. نحو 40 طاولة عرض أو بسطة تحتوي على مكتبات رمزية متنوعة من أحجام عديدة حيث المجلات المتخصصة والعامة التي لا يمكن العثور عليها في أماكن أخرى على حد قول زينة باسيل إحدى المنظمات. 

والجميل في الأمر قيام كثيرين ببيع أو استبدال كتب مستعملة مع التصاعد الكبير في سعر الكتب التي يتصاعد سعر الجديد منها في شكل غريب بينما يحتاجها الطلاب في شكل ماس، كما تشير بسعادة إيليان أبي شديد التي تمتلك بسطة في المكان. وتشير الى «أننا نعمل كمجموعة ونشتري ثم نبيع وأحيانا نتلقى تقديمات من قبل من يريد تشجيع نشاطات كهذه».

وهي تلفت النظر الى أن أهمية النشاط تأتي من كونه يخرق حالة الجمود الحالية ثقافيا نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة ووسط غلاء الكتب، وبات كثيرون يقبلون بالتخلي عن الكتب التي بين أيديهم. 

وفي إبتكار يحمل دلالات غريبة، لجأ البعض الى الورق والكرتون بعد التدوير، وهو أمر صعب الاستعمال ونادر عادة كون الغالبية تفضل إستيراد ما هو جديد، وأعادوا العمل به لإبتكار أغلفة للكتب وللدفاتر الصغيرة والروزنامات في سبيل بيعها في المعرض لمن يرغب. 

ليموناضة بترونية ومنقوشة «أم علي»

على أنه لا يمكن حصر الحدث بصناعة الكتب. فهناك تجد رسومات تصويرية، إسطوانات وشرائط لبنانية وعربية وأجنبية قديمة وجديدة، صور فوتوغرافية ولوحات للمنازل ودفاتر وبطاقات معايدة وغيرها..

الى الأمام قليلا تفاجأ بمكان لتذوق وبيع الليموناضة البترونية يتم تقديمها بإعتداد، وقربها مكان لبيع السندويشات المختلفة ومناقيش «أم علي» على الصاج تخرج عن المألوف، إضافة الى مشروبات روحية وغيرها..

تقول باسيل: لقد تجمعنا لمساندة بعضنا البعض في جو من السعادة والتكافل. هي غير متفاجئة بالإقبال الذي ضاق به المكان الذي اصطف أمامه الزائرون، «فقد توقعنا ذلك في ظل حاجة الناس لحدث كهذا فهم يقبلون بتعطش لهذا النوع من النشاطات، ولهذا السبب أقمنا المعرض لثلاثة أيام متتالية كوننا نعرف أهمية الحدث لبعض الشرائح وطرحنا بعض المواضيع التي يضعها البعض في إطار التابو في لبنان».

.. وفي الحدث مكان للأطفال. ففي زاوية مخصصة لهم، يبيع أطفال من مدرسة «الآي سي» الكتب التي يريدون لها أن تذهب الى من تدمرت منازلهم في منطقة مار مخايل التي تحتضن أيضا مكان النشاط.

يشكل الحدث مناسبة لإبراز مواهب فنية لا تقتصر على عمر معين، على أمل أن يشكل خرقا في ليل ثقافي دامس. لكن كل من في المعرض يعلم تماما أن لا قيامة لثقافة الكتاب وصناعته وحيدة. فالأمر يتعلق بوضع عام مزري أثر سلبا على القطاعات كافة لا يمكن للثقافة أن تنهض لوحدها فيه، لكن تبقى مبادرات بعض المجموعات وتلك الفردية متواجدة لكي تبعث الأمل بالحفاظ على ماء وجه تلك الصناعة كما بدا في مكان المعرض في الجميزة المألومة، وهو ما يشكل مفارقة حزينة.