بيروت - لبنان

3 نيسان 2024 12:46ص ضباب الدماغ لدى الرؤساء

حجم الخط
الإشارة إلى الصعوبات المستمرة في الحالة المعرفية للإنسان وظهور علامات الضعف في الوظائف التنفيذية وفي عمل الذاكرة وفي تنظيم الإنتباه وفي التحفيز الذهني، وكذلك في التلعثم وصعوبة إيجاد الكلمات المناسبة، وتكاثر الهفوات والصعوبة في مواجهة القرارات، وكذلك الإفتقار إلى القدرات العقلية، مع الإرتباك الدائم، والإفتقاد إلى الذكاء، لمما يؤول حكما لصعوبة التركيز في العمل والنهوض بالمسؤوليات، وكذلك مراجعة المعلومات، بحيث يشعر الشخص آنئذ، بالغموض والضبابية، لدى الإقدام على التجنّد للمهمات، ويظهر عليه، أنه ليس على طبيعته، وأنه في مواجهة الذهان والإعاقة الذهنية الخطيرة، وأنه كذلك، غير قادر على إستئناف الأدوار التي أتقنها من قبل، فيتقدم منه الطبيب المعالج، ويقول له بصريح العبارة المشهودة له: المريض مصاب بـ «ضباب الدماغ - Brain Fog».
كل هذا وأكثر، وجدته في صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: في وجهه، وهو يوقد شمعة في إحدى الكنائس أمس، حدادا على ضحايا الهجوم الإرهابي يوم الجمعة (23/3/2024)، على صالة «كروكوس» للحفلات الموسيقية في موسكو.
رجل متعب بالحرب حقيقة، تذوب على كتفيه، معارك الشيشان ومعارك أذربيجان ومعارك أفغانستان وكازخستان، وتسرح بين عينيه معارك كييف والقرم والأوديسا وزابورجيا وخاركييف وسائر مدن الإقليم الشرقي من أوكرانيا. رجل يذوب وجهه أخيرا، على شمعة شهداء المجزرة الإرهابية في صالة كروكوس للحفلات الترفيهية، بعدما شهد على عملية طوفان الأقصى، في الحفل الترفيهي الذي كان يقام في النقب، منذ نصف عام، أو أكثر، أو أقل.
رجل يشهد على تدمير غزة، على إبادة شعب غزة والقطاع. رجل يشهد على تدمير دمشق وريف دمشق، وقرى الجولان، يشهد على تدمير طرطوس وحمص وحماه وحلب ودير الزور والبادية، يشهد على تدمير قرى الجنوب اللبناني وقرى البقاع، يشهد على تمزيق لبنان، على الشغور الرئاسي، على جعله في إيران، وما بعد بعد إيران.
رجل متعب بالحروب في السودان، متعب بالحروب في اليمن والصومال وفي نيجيريا وفي ليبيا وفي باب المندب. رجل متعب بالحرب، موكل بها يتبعها أينما وقعت مثل تلك الحرب.
هذا هو وجه الرئيس الروسي الذي رأيته، على ضوء شمعة أضاءها لشهداء مجزرة صالة كروكوس في موسكو، مجزرة الإبادة الجماعية، التي تختصر كل مجازر الإبادات الجماعية التي شهد عليها، وربما لم يقترفها نفسه بنفسه، وإنما ناب عنه من يقترفها.
حروب تنوب عن حروب، وإبادات تنوب عن إبادات، ورؤساء ينوبون عن رؤساء، وجيوش تنوب عن جيوش، في أعمال الهدم والتدمير وإطلاق المجازر والمجاعات البشرية، في غزة وأخواتها.
وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنعكاس حقيقي لوجه الرئيس الأميركي جو بايدن، إنعكاس لوجه الرئيس الأميركي السابق ترامب أو بوش الأب، أو بوش الإبن، لا فرق في الوجه عند جميع هؤلاء الرؤساء، الذين شهدوا على تعاقب إبادة الشعوب، الذين تخصصوا بها، منذ الحرب في الكوريتين وفي تايوان وفي ألمانيا وفي اليابان وفي أفغانستان وفي لبنان.
ضباب الدماغ لدى الرؤساء، حالة مرضية مستجدة عن جرائم الإبادات والمجازر الجماعية، التي بعثوها في طول العالم وعرضه، منذ قديم الزمان. فإذا ما حفرنا في عروش الرؤساء والملوك والسلاطين، نجد كيف كانت تبنى تلك العروش، على الجماجم. تماما مثلما كانت تبنى الإهرامات. كيف كانت تأسست الأمبراطوريات منذ القديم. كيف قاد المؤسسون الأوائل، الجيوش، وحملوا النيران على أكتافهم، لمن يعيش في أكنافهم، طمعا بالعظمة، وطمعا بذهب الأرض.
وجه بوتين على شمعة أضاءها في ليل المجزرة البشع، يعكس جميع وجوه الأباطرة والقياصرة والأكاسرة، والرؤساء الجبابرة، الذين بنوا أمجادهم، على الجثث والمجازر والجماجم في شتى أرجاء الأرض، أصيبوا بضباب الدماغ المبكر. ومن لا يصدّق، فلينظر في وجه الرئيس بوتين، وفي وجه الرئيس بايدن، عقربا ساعة الأرض، اليوم وغدا وبعد الغد.