13 كانون الثاني 2024 12:01ص عقد على رحيل مانديلا

حجم الخط
أمام محكمة لاهاي، إرث من مانديلا. حوّلت دولة جنوب أفريقيا، النظام الإسرائيلي، وطغاته إلى محكمة العدل الدولية، بدعوى الأبرتهايد/ التمييز العنصري الجماعي، الذي تمارسه اليوم إسرائيل ضد شعب غزة، بل ضد الشعب الفلسطيني بأجمعه.
ولا غرو، فدولة جنوب أفريقيا متصالحة مع زعيمها الأيقوني الراحل نيلسون مانديلا، والذي خاض الحرب لأكثر من خمسين عاما، ضد الحكومة العنصرية التي تولّت السلطة منذ العام 1948،  وأدخلته إلى السجن لمدة 25 عاما، وساومته كثيرا. فلم يهن ولم يهادن ولم يستسلم لإرادة العنصريين البيض في جنوب أفريقيا، حتى أذعنوا هم أنفسهم للمصالحة مع شعب جنوب أفريقيا، بزعامة نيلسون مانديلا نفسه.
ما يحرك الوجدان الشعبي والرسمي اليوم، في جنوب أفريقيا، بعد عقد على وفاة نيلسون مانديلا، هو رؤيتهم للمسألة الفلسطينية، بطريقة مختلفة. فهم شركاء الفلسطينيين في المظلمة التاريخية التي وقعت عليهم وعلى فلسطين، في تاريخ واحد: 1948. أصابهم الغزو العنصري، كما أصاب الفلسطينيين. الرجل الأبيض نفسه الذي طغى عليهم وظلمهم، هو نفسه الذي طغى على الشعب الفلسطيني وظلمهم، غير أن الرجل الأبيض نفسه بالغ في الظلم، لأنه قاد معركة تهويد فلسطين، وإستمر في غبائه التاريخي حتى اليوم. وهذا ما أيقظ في نفس مانديلا، منذ ذلك العام الأسود-1948، في التاريخ الأممي والإنساني والدولتي، جمرة النضال أيضا ضد المستعمرين اليهود في فلسطين، إحساسا منه بخطورة دعوى الأبرتهايد الإسرائيلي، الذي تفوق على الأبرتهايد الأبيض، في مشروعه الإستعماري في جنوب أفريقيا.
هذا الرجل الأيقوني، الذي خاض تجربة تحرير جنوب أفريقيا، من الإستعمار العنصري، هو اليوم ينهض بعد عقد على غيابه، دولة وشعبا، لإستكمال المشروع التاريخي الذي أورثه لبلاده، في مواجهة الأبرتهايد العنصري، في فلسطين.
جنوب أفريقيا وفلسطين توأمان إذا، في المظلمة، وتوأمان في مواجهة ومحاربة الإستعمار العنصري، بأي وجه أتى، وفي أي بلاد حلّ فيها. ألم يكن نيلسون مانديلا والمناضل التاريخي ياسر عرفات، رفيقا صبا وشريكا جهاد، فالأول أيقونة جنوب أفريقيا، والآخر أيقونة فلسطين!
جنوب أفريقيا، من بين سائر دول العالم، تقدمت بدعوى تاريخية، دفاعا عن قضية تاريخية في فلسطين، سداها ولحمتها الأبرتهايد اليهودي العنصري. هي اليوم تشعر أن القضية في غزة وفي عموم فلسطين وفي جنوب أفريقيا واحدة. ترى المعركة الجارية اليوم، على أرض غزة والقطاع، وعلى أراضي الضفة الغربية والقدس، كأنها قضيتها هي، على أرضها.
هذا ما يفسر حماسة دولة جنوب أفريقيا، في لاهاي اليوم. تقدمت بدعواها ضد النظام الإسرائيلي، لا حقدا على اليهود، وإنما إستشعارا منها لخطورة النظام الإسرائيلي على الشعوب كافة، وخصوصا على الشعب الفلسطيني وشعب غزة، حيث تدور اليوم المعركة.
جنوب أفريقيا، ترى اليوم فلسطين عموما في مرآتها. فهي تعاني اليوم ما عانته من التمييز الإستعماري العنصري. وهي اليوم تذوق ما ذاقته، من حقد ومن كراهية. وهي على المعاناة نفسها، وعلى الحرب نفسها، وعلى الإنقسام الأممي نفسه، الذي عاشته وعرفته، لأكثر من خمسة عقود متتالية.
في لاهاي اليوم، يقف المناضل الصلب، الأيقوني التاريخي الراحل نيلسون مانديلا، ينتصر لفلسطين التاريخية، بمعزل عن أي غث لحق بها من أبنائها، لمواجهة التمييز العنصري، مضافا إليه التمييز الديني. أليست رسالة الأبرتهايد واحدة؟! إذ العنصريون لا يميّزون بين هنا وهناك وهنالك، ولا يميّزون بين هذا الشعب وذاك، أو أي شعب من شعوب الأرض. فرسالتهم الإستعمارية، تقوم على التمييز العرقي والديني، والتهجير الجماعي، هو آلتهم. وإستحداث الخطط التهجيرية، هي خططهم، في المدرسة التي ينتمون إليها، والتي تقوم على سلب الشعوب حقوقهم. على سلب الشعوب أرضهم، لأنهم كما يدّعون زورا وبهتانا، هم الشعب الأنقى عرقا والأكفأ ثقافة وإرادة. ولهذا ترى دعوى دولة جنوب أفريقيا، هي إرث المناضل الأيقوني نيلسون مانديلا. هي رسالته التي أورثها شعبها وصالح الرجل الأبيض على أساس منها. وليس ما يجري في لاهاي اليوم، إلّا تتمة لرسالة مانديلا التي تكون حيث يكون الإبرتهايد، حيث يكون التمييز العرقي، التمييز الديني، التمييز العنصري. ورسالة مانيدلا، هو محاربة التمييز كله، لا بعضه. وما حققته رسالته في جنوب أفريقيا، يجب أن يتحقق اليوم في فلسطين وغزة.
في الذكرى العاشرة لرحيل المناضل الأممي الأيقوني نيلسون مانديلا (1918-2013)، تتقدم دولة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لتقول لها كفى: هذة هي رسالتنا التي أورثنا إياها بطل من بلادنا. ونحن على نهجه، أينما تدعونا رسالته/ رسالتنا، في محاربة الظلم العنصري. في محاربة القهر العنصري. في مواجهة الترحيل العنصري. في النضال ضد جميع أشكل العنصرية العلنية منها والخفية. فالعنصريون واحد، في جنوب أفريقيا، وأينما حلوا من أمم العالم. وأينما وقع على الأمم ظلمهم، وخصوصا ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، ولا نقول فقط، أهل غزة. رغم عمق الجراح التي أصابتهم. لأن المشروع التهجيري، لا ينتهي عند أنفاق غزة، بل هو أبعد من أنفاقها. بل هو أبعد من أنفاسها!