بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آب 2023 11:02م فائض القوة لا يستولد حواراً

حجم الخط
 
في لبنان لبنانان أي أن في لبنان خارجين وداخلين. ‏وتتوزع القوى فيه على هذا الأساس طائفياً بلا ‏شك إنما بكيفية‎ ‎غير متكافئة بين الكتل الطائفية ‏بعضها مع بعض.‏
وسط هذا الاستقطاب الحاد وفي ظل حالة الجمود ‏والمراوحة في إيجاد المخارج لما يغطس فيه البلد ‏وأهله، ووسط التدخلات العديدة من كل حد وصوب ‏بحثاً وإسهاماً في استكشاف المخارج، يلوح في ‏الأفق صعوبات تنبئ بمرحلة طويلة ستمرّ قبل أن ‏يتضح أي من الاحتمالين هو المرجح كمخرج: أهو ‏البقاء مع شيء من الإصلاح أم نهاية عصر بالنسبة ‏للكيان، والدخول في طور جديد تجزيئي بعد اكتمال ‏تفتيت الكيان بصور نهائية، ثم الحديث عن كيانات ‏وليُسمها من يشاء ما يحلو له من تسميات.‏
كل التطورات والمظاهر تفيد بأن مصير الكيان إلى ‏احتضار. وتتطور في رحابه احتمالات قوية للانحراف ‏نحو مغامرات أمنية بفعل عدم التكافؤ بين القوى ‏الذي يدفع إلى اسوأ الاحتمالات ولنسمها أرحمها ‏التشرذم.‏
ففي هذا الوضع تترافق دعوات إلى إقامة الحوار ‏بانتظار عودة مبادرات الخارج الساعية إلى التوفيق ‏بين الأطراف الداخلية المتنازعة، سلمياً حتى الآن، ‏وفي مناسبات مختلفة إلى تحشيد كل الأطراف ‏المعنية قواها للوصول إلى نوع من التكافؤ يؤمن ‏للحوار فرص النجاح. ولكن إذا ما نظرنا إلى كل ‏الأطراف وإلى ما تمثل من وزن في على الساحة ‏هذا الحوار، ما يتضح بصورة جلية في ظل تحشيد ‏القوى على اختلاف وجوهه دينياً وإعلامياً وسياسياً ‏هو وجود عدم تكافؤ بين القوى الداعية والمدعوة ‏والمعنية بالحوار وأن الأكثر "حماسة" للدعوة إليه ‏والأكثر استعدادأً له هو الطرف الأكثر تماسكاً ‏والأكثر تمثيلاً في موقعه التمثيلي الطوائفي على ‏الساحة. وفي الضفة الأخرى من المدعوين للتحاور ‏مجموعة من القوى أضعف تمثيلاً ضمن مواقعها ‏الطوائفية وغير متماسكة فيما بينها قبالة الطرف ‏الآخر، الأقوى، في التركيبة الطوائفية الشاملة.‏
وفي ظل هذه الدعوات، من هنا وهناك، لا أحد ‏يقوى على طرح تصوره الأولي لمحتوى الحوار، ولا ‏نرى سوى التعبيرات الإعلامية التعبوية وعمليات ‏الشد العصبوي التي من شأنها كلها مجتمعة تأمين ‏الحد الأدنى المطلوب من التوازن حتى يفضي ‏الحوار إلى نتيجة. ولذلك فإن الرغبة في الحوار، في ‏الحقيقة، تعبيراتها أقوى في الجهة الأقوى تأثيراً ‏في ميزان القوى. والرغبة في الجهة المقابلة ‏‏(وهي جهات لا شيء يدفعنا في الحقيقة إلى ‏القول إن تآلفها يمكن أن يشكل طرفاً مكافئاً في ‏الحوار). وبالتالي لن يكون الطرف الضعيف راغباً في ‏الاستجابة للحوار لأنه لا يمتلك حتى الآن القدرة ‏على حشد قوى متوازن مع الطرف المقابل في ‏الداخل. لذلك لن يكون حواراً مجدياً ولن يكون هناك ‏انتخابات رئاسية إذا كان المطلوب من الحوار ‏التوصل إلى اتفاق على اسم الرئيس العتيد.‏
وإذا عدنا في الذاكرة إلى أوضاع سابقة شبيهة ‏نتذكر عدوان 82 باعتباره الذي كان العامل الخارجي ‏الكفيل بتعديل ميزان القوى في الداخل (في وجه ‏فائض القوة آنذاك في جبهة القوى الفلسطينية- ‏الوطنية اللبنانية) القابل لإنجاح أي حوار. وكان ‏الاجتياح 82 هو هذا العامل. أما اليوم فما هو ‏العامل مع ما يُعرف ويُقدَّر من تراجع إمكانية عودة ‏تفعيل هذا العامل في ظل توازن الردع القائم بين ‏العدو وقوى من جهة والمقاومة في الطرف اللبناني ‏من الجهة المقابلة.‏
وباستبعاد تفعيل هذا العامل نفسه مجدداً، يصبح ‏انتظار بلورة تدخل خارجي موحَّد متعذراً حصوله إلّا ‏نتيجة التوافق الذي قد يعمل عليه إقليمياً ودولياً ‏ولكنه غير بين أن أوانه قريب.‏
بل إن ما نلاحظه من المراوحة في الخروج من ‏المأزق هو في مصلحة استمرار اللادولة.‏
يقال بانتظار أيلول، وحتى يعود الموفد الفرنسي، ‏فلنمض إلى حوار، سيتم في ظل حالة فائض ‏القوة الحاصل في الداخل لمصلحة طرف، وبالتالي ‏لمصلحة تأثيره في في المبادرة الفرنسية المنتظرة ‏وإن فشل الحوار ضمن شروط الأمر الواقع سيفضي ‏ذلك إلى تعطيل هذه المبادرة التي هي متعثرة ‏على كل حال حتى اليوم.‏
اللهم إلّا إذا دخلت ضمن تلك المبادرة أسباب تعكس ‏توافقاً إقليمياً ودولياً يحدّ من تأثير عامل فائض القوة ‏لأحد الأطراف في الداخل. إن ما يجعلنا متشككين ‏في حصول إنضاج مثل هذا العامل هو الجبهة ‏المفتوحة مع المعسكر الغربي حول حماية ‏المقدسات الإسلامية واستنفار العالم الإسلامي ‏ودعوته للوقوف في وجه العالم الغربي فضلاً عن ‏مسألة استكمال طي موضوع الحرب والحصار في ‏اليمن غير المنجز. واللافت أن مسألة النزاع في ‏السودان ومؤخراً الإنقلاب في النيجر ليس واضحاً ما ‏قد يكون مدى تأثيره أكان سلباً أم إيجاباً في ‏تشكيل العامل المساعد خارجي المنتظر لحل ‏الأزمة اللبنانية.‏
‏لنقل عن غش وخداع أنفسنا في شأن أي تغيير ‏في الوضع بعد رحيل المايسترو رورو وليكن في ‏بالكم أن الوضع في لبنان لن يتغيّر في ظل هذه ‏الطبقة حتى لو رحل معظمهم. وإن الأربع سنوات ‏الماضية كانت كافية بأن تنذر بحل. المرض أكبر ‏بكثير مما بيتصوره العالم. "الحرامية" مرتاحون حيث ‏هم وقابضون تماماً على كراسيهم لن يزحزحهم ‏عنها غير الموت. ولكن يا للأسف لن يخلفهم إلّا ‏الألعن. القدماء تعبوا نوعاً ما لإتمام تكديس الغنائم ‏والسرقات أما الورثة فحاصلون على التركة بلا جهد ‏وسيكونون أشرس من آبائهم في القبض عليها. ‏تأملوا جيداُ نحن أمام مخاطر كبيرة  لإمّحاء الكيان ‏عن الخريطة‎.‎
البلد راح؟؟
البلد راح!!! صرخة يطلقها إنساننا اليوم بعدما ‏شهده من تعقيد في أوضاعه وانهيار في بناه ‏الكيانية. اليوم، بعد أن هجَرته الأموال بفعل الخوف ‏تارة، أو هُجِّرت منه الأموال بفعل خطة مدروسة ‏تارة أخرى، بناءً على تقديرات بأن البلد لم يعد ‏يجدي نفعاً التوظيف فيه والرهان على نهوضه من ‏الهوة التاريخية التي سقط فيها. والسقطة هذه ‏إنما بمثابة علامة على انتهاء صلاحيته التاريخية ‏بعدما استُهلكت كل مزايا الكيان التي استثمرها ‏أهل السلطة والمال حتى آخر رمق، ولم يبق فيه ‏من أسباب لاستمرار ضخ الحياة فيه سوى ما ‏يسعى إليه الباقون في الحكم من اقتراض أموال ‏من هنا وهناك ينفقونها على أجور العناصر ‏المشكِّلة لهيكل دولة مترهل. ثرواتهم هربوها وهي ‏في أمان بعهدة أسيادهم أما هم فباقون في ‏الحكم أملاً منهم بأن يعوَّض عليهم إما بخلو وإما ‏بتجديد وكالة مدعومة بأموال قد تتطلبها إعادة ‏إحياء دور ووظيفة لهم وللبلد (مثل أمل أبليس في ‏الجنة). البلد راح صحيح ولكن الأرض باقية وبعض ‏أهله باقون زائد بعض الضيوف من الجوار. الذي راح ‏هو الكيان، الهوية، الوظيفة، الدور. في ضوء مثل ‏هكذا تشخيص الذي نعتقده واقعياً، لا نفهم أن ‏يكون أصحاب الحكم فيه متشبثين بمد هيكل ‏دولتهم الفاشلة أو في أحسن نعت لها دولة ‏منتهية الصلاحية بأسباب البقاء. لماذا لا يزالون ‏محتفظين بكثير من عناصر ما يسمى دولة؟ على ‏سبيل المثال لماذا الاستمرار في الإنفاق على ‏أجهزة مختلفة طالما أن هذه الأجهزة خرجت عن ‏السكّة المرسومة لها ولم تعد تؤدي وظائفها، على ‏غرار ما حل بالبلد نفسه الذي فقد وظيفته ‏المعهودة حتى الأمس القريب. ليسمح لنا التشبيه ‏كالتالي: كنا نمتلك سيارة أميركية الطراز باب أوّل ‏كاديلاك مضى على السيارة عقود من الزمن ولا ‏تزال تمثل هيكلاً جميلاً إنما هيكلاً يحيل إلى ماضٍ ‏ولّى وأصحاب هذه السيارة أمام خيارات جديدة ‏أحدث لامتلاك وسائل نقل أرضية وبحرية وجوية ‏خاصة، ولكن نراهم متمسكين بسيارتهم القديمة ‏الطراز باعتبارها تمثل، في البيئة التي ينتمون إليها ‏داخلياً وخارجياً، تراثاً من العزّ. ولا يزالون رغم انعدام ‏الفائدة الاستعمالية لها ينفقون عليها لصيانتها، ‏فيما استعمالاتهم وحاجتهم الراهنة هي في جانب ‏الوسائل الحديثة. وبالنسبة لهؤلاء الحكام وأصحاب ‏القدرات المالية البلد لم يعد يلبي طموحاتهم ولا ‏سيما أن الدولة لم تعد تعني لهم شيئاً سوى ‏مصدر جاه. لقد انتقلت مجالات استثماراتهم مع ‏أموالهم إلى مجالات وساحات أخرى مجزية أكثر ‏وأمنة أكثر. الدولة باقية بالنسبة إليهم رمز وعلامة ‏نفوذ وسطوة وتركوا وظائفها الأساسية الأخرى إلى ‏بنى لا تزال تحت إمرتهم إنما تعمل بمنطق مافيوي ‏متجاوزة أسقف القوانين المعهودة للدول التقليدية. ‏جهودهم منصبّة الآن على إيجاد صيغة تجعلهم ‏مقبولين من الهيئات الدولية. أي نوع دولة هم ‏يسعون إلى طرحها بديلاً عن الدولة السالفة؟ إنهم ‏أمام تحدي ابتكار صيغة جديدة تحيط بواقع قائم ‏على الأرض بكل وجوهه‎.‎

الخلاصة في نظري لا حوار راهناً ولا رئاسة قريباً
فلننتظر البريكس وأوكرانيا
وبالتالي لا رئيس
تجربة عون لن تتكرر
وبسليمان فرنجية ستكون التجربة أسوأ على ‏الداخل
الخلل بميزان القوى كتير كبير

القوي الحقيقي هو الذي يطرح من قوته المطلقة ‏دائماً القدر العائد إلى وجود الآخر فيخخف من ‏استعراضاته طالما أن الغاء الآخر هدف بعيد مناله ‏وإلّا يكون قد تجاوز الخط الفاصل بين الحكمة ‏والمغامرة.