بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 نيسان 2021 12:00ص فاروق أبو عيسى في ذكراه السنوية الأولى *

حجم الخط
قامة لا يحجبها موت، ولا تُنْكَر عطاءاتها المجيدة، هو الراحل الكبير فاروق أبو عيسى رجل العروبة الأغر، تصدّر في كل قطر عربي محبة المحامي والمواطن والمسؤول.

لقد تسلق الأخ العزيز قمماً شاهقة، فهو ممن يعشقون الذرى، ويستطيعون محاكاة النسور.

مارس المحاماة، منذ أن تولّى وزارة الخارجية السودانية في مقتبل عمره وأصبح نجماً عربياً، ولما تقلبت الظروف في السودان وغادر الحكم، تمسّك به زملائه المحامون العرب ودُعي الى الصدارة في اتحاد المحامين العرب، وأولوه الثقة لكي يحلّ مكان الأمين العام الأسبق المحامي العريق شفيق رشيدات، حيث أبلى البلاء الحسن، فكانت الأمانة العامة للاتحاد مركز العطاء الأمثل ووحدة الصف والإجماع.

تغيّرت ظروف الحكم في السودان وبقي فاروق أبو عيسى مناضلاً ديمقراطياً من طرازٍ عالٍ، أتقن معالجة القضايا العربية، فكان من رجال الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، والانتصار لكل قطر عربي، فهو من حملة المشروع النهضوي العربي، عرف أن يجدد ويفرض الرأي المحق، فأصبح يُحسب له حساب، وأضحت كلمته مسموعة، وقف بوجه أنواع الديكتاتورية والاستبداد، وعبّر بلسانه وعمله وفي كل المحافل عن تعطّش الشعب العربي للديمقراطية، فما يعانيه العرب هو نقص في الحرية وفائض في الاستبداد. غيابه لنستذكر سلاسةَ الأخلاق، ولطف المعشر، وسهولة القيادة، والدخول الى القلوب بدون إستئذان، فألتقى المحامون العرب ونقاباتهم على الاعتزاز بقيادته ونتائجها الباهرة.

رجل المؤسسات شارك في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وفي المعهد العربي لحقوق الإنسان، وفي اتحاد المحامين الأفارقة، وفي نقابة محامي المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها الكثير، فكان صوت المحامين وصوت الأمة المدوي في كل الاتحادات الحقوقية في العالم.

الراحل العزيز هو وفاء للسودان الذي ما فارقت همومه ومعاناته عقله الكبير، وقلبه ووجدانه حتى تسليم الروح لباريها، فلا غرو في ذلك، فهو من أصحاب القلوب النظيفة النقيّة، فتمتع بأرقى أنواع الأناقة، حيث كان بعيداً عن القيل والقال، وعن التدخّل في شؤون الآخرين، سليم الفكر، طيب الأخلاق، يقاسم الجهاد والسعادة مع الآخرين بروح فرحة ونجاح دائم، يحترم الرأي والرأي الآخر، متسامح لم يعرف الضغينة، عرفه لبنان، فكان مع نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس من أهم العاملين لرفع مستوى المحامي وتحصين حقوقه ودوره القانوني والوطني والقومي ونضالٌ مشترك في استقلال القضاء والمحاماة.

انه العصر الذهبي لاتحاد المحامين العرب وفي الذكرى السنوية الأولى لرحيله، وفي هذه الأيام العصيبة التي يجتازها الوطن العربي على جميع الأصعدة تظهر الحاجة الى أن يتمثل كل مسؤول في الاتحادات والمنظمات والهيئات بالراحل الحبيب لنتمكن من الخروج من المصاعب والخلافات فيجترح مثله الحلول الناجعة، والقابلة للتنفيذ، لاسترداد عافية البلدان العربية وعودتها الى سابق الازدهار وفق تعاليم ومبادئ الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي أحبه حباً منقطع النظير، وفي المقدمة منها اللاءات الثلاث : لا صلح - لا تفاوض - لا اعتراف، وفي المقدمة من ذلك أيضاً مقاومة التطبيع بكل أشكاله والوقوف موقفاً واحداً ضد التطبيع والمطبّعين.

نمْ قرير العين مع الصدّيقين والأبرار والشهداء، حمى الله اتحاد المحامين العرب من الأشرار والفوضويين والعاملين على إلغاء دوره المهني والقومي ووجوده الجغرافي في جمهورية مصر العربية، ونحن لهم بالمرصاد.



* كلمة أُلقيت في الذكرى السنوية الأولى للراحل الكبير التي أحيتها طيبة برس/ الخرطوم في 12/4/2021.

* * الأمين العام السابق لإتحاد المحامين العرب