في عصر ما بعد الاستقلال عشنا حتى 1958 في عهد بطلا الاستقلال رياض وبشارة بنعيم، وهم العصر الذهبي، ذروته كانت برهة النمر، فتى العروبة الأغر، ثم بعد ذلك عشنا عصر ذهبي مصطنع بقيادة الجنرال فؤاد وخليفته شارل حتى 1976 ومن بعده قفزنا من العصر الذهبي الوهمي ثم الاصطناعي إلى عصر الحطب والبارود حيث أشعلت النيران بالبلد على يد مقاومتين، مقاومة داخلية مؤازرة من حليفين جارين ومقاومة وافدة مسانّدة من قوى داخلية. فعشنا في عصر الحطب هذا بزعامة الياسر والبشير حتى عام 1982 وانتقلنا إلى عصر النار تحت الرماد، عصر ما بعد الطائف مع تشغيل آليات التبريد من العام 1989 حتى عام 2005 بفضل المرحوم الشهيد رفيق فتعطّلت ورش التبريد فعدنا بعدئذ إلى عصر ساخن لكن بلا لهب في ظل مقاومة في الداخل تحمل السلاح لغير الداخل ومقاومة على البارد لا تحمل السلاح ولكن تنكر على الأولى حق حمل السلاح أنّ كانت الذريعة. تراوحت الأجواء في البلد بين البرودة والسخونة إلى أن ظهرت في الأجواء عوامل إنفجار جديدة تطيح فترة المراوحة وكادت تطيح الهيكل بأسرة تحت تأثير حركة مقاومة تجاوزت الحدود الثنائية التقليدية عام 2019، حركة مقاومة شعبية شاملة من الداخل. انتقلنا من بعد هذا التاريخ وأصبحنا نعيش إلى هذه الأيام الأخيرة في ظل أوضاع تطغى عليها عوامل نيران كورونا ونيران تشبيحات القطاع المصرفي واستقالة الدولة عن مهامها على كل المستويات وغزتنا المافيات من كل حدب وصوب حتى كدنا نصل إلى ما يشبه العصر الحجري الذي يهدّدنا به العدو علماً أن لا حاجة لذلك التهديد، أعوانه في الداخل قاموا بالواجب عنه، فنحن قاب قوسين أو أدنى من دخوله.
ومقاومتنا تقف حائرة بين عدوّين; خارجي وداخلي، كلاهما لا يتركان مخرجاً لها ولشعبها سوى مصير العصر الحجري بعيداً عن أي انتصار.
كشعب وكأجيال من أي طائفة كنا ولا نريد أن نقول كمواطنين لأنكم لا تحبون هذه الصفة، ما الذي يجب أن نفهمه من هذا الذي وصلنا إليه وأنتم الآن في الحكم وكنتم فيه أيضاً في مراحل سابقة وكانوا في الحكم من يشبهونكم وتشبهونهم فلا مجال للتنصّل من أفعال من سبقوكم على الكراسي التي تشغلونها اليوم وقول «ما خصّنا». أنتم في سدة المسؤولية. وقبل أن تقولوا لنا ما هو برنامجكم لتخليصنا من هذا الوضع، ولن نقول منكم بالذات، نطلب منكم أن تفيدونا عن تشخيصكم لهذه الحالة التي وصلنا إليها ومن المسؤول عنها. وأفيدونا كيف أنكم كحكام تعيشون أنتم وحاشياتكم عيشة بلدان لا أحد منها يعيش مثيلاً لها، وكيف أن البلد الذي توليتم المسؤولية فيه عن مقدراته هو الآن في الحضيض. هناك شيء غير طبيعي. ولا أحد منكم يسأل. شو هيك الدنيا فلتانة؟ هل تربّيتم على هذا النهج في بيوتكم ومؤسساتكم وطوائفكم؟ وللا مفكّرين أنكم أسياد هذه البلاد تملكون الأرض ومن عليها؟ استحوا على حالكم أمام أنصاركم وأمام أمهاتكم وأمام زوجاتكم وأمام أولادكم وأمام كل من تقابلونهم فيما تسمّونه مساعي للخروج من الهوة التي أوقعتمونا فيها، وأنتم لستم فيها أبداً. إذا طلب منكم على سبيل المثال أن تحاضروا أمام جمع من طلب جامعات في أميركا أو أوروبا عن بلدكم وما يعانيه من كارثة وفي نهاية كلامكم، ولأنكم أعجز من أن تقنعوا أحداً من الحضور، يطلب أحد الحاضرين الكلام، السذج ستقولون عنه، ويسأل كيف يمكن أن يكون بلدكم في مثل هذه الحالة وعندكم طاقم من المليارديرية تحسدكم عليهم أغنى الدول في العالم؟ ربما قلتم في قرارة نفسكم أنه سؤال مدسوس من الصهاينة. عفواً فاتتني الفكرة.