بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الثاني 2020 12:01ص كذب السياسيون والمنجمون في لبنان ولو صدقوا..

حجم الخط
ما كنت يوماً من محبي التبصير والمبصرين، كما لم أحب التنجيم والمنجمين، وأكاد لا أؤمن بأقوالهم وأفعالهم وتنبؤاتهم والتوقعات.

يحاولون إيهام النّاس بأن أحداثاً قد تحصل هنا أو هناك، مع إصرار تأكيد وتحكم بلغة الجسد بالتوازي مع طلاقة في اللسان والتعبير.

أما لماذا لا أثق بتنبؤاهم وتوقعاتهم ولا أضيع الوقت في الاستماع إليهم، ذلك انطلاقاً من ايماني الراسخ والعميق بمقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا».

أعلم جيداً ان العين الحمراء من قبل المنجمين والمبصرين ستوجه ضدي وعليي، ومن كل من يمتهن هذه الحرفة أو الهواية، سمّها ما شئت، إنما هي بالنسبة لي كما الكثيرين مثلي تكاد تكون أشبه بالعملة المزيفة التي لا تصرف في سوق العملات، ولا تجد لها سعراً مناسباً للتداول.

قد لا أدّعي أو أنكر ان هناك فئة كبيرة من الناس تتابع وتنتظر وتؤمن بما يقوله أولئك المبصرون والمنجمون خلال حلقات تلفزيونية ومقابلات تجري معهم عبر الأثير والفضائيات بين الحين والآخر، وهم يتابعون بشغف تلك التوقعات لأنهم لا يُدركون أن ما يسمعونه هو مجرّد تحليل شخصي ناتج عن متابعات إعلامية في وسائل الاعلام أو من خلال معلومات وأخبار تُسرّب إليهم لتردادها وقولها واعلانها على الملأ حين تدعو الحاجة ووفق الظروف والمعطيات المناسبة لذلك، والدليل على ذلك انه في أغلب الأحيان نجدهم يقرأون توقعاتهم المكتوبة أمامهم على الورق وفي بعض الأحيان تغدرهم الكاميرا فيتلعثمون إلى حدّ الضياع في متاهات تلك التوقعات والتنبؤات الا انهم بعد لحظات يصححون المسار من جديد ويتابعون ما حفظوه بأدق التفاصيل وعن ظهر قلب لبثه واشاعته في محاولة منهم للعب بأعصاب النّاس وعقولهم مقابل الحصول على حفنة من المال، إما من المؤسسة الإعلامية التي تستضيفهم عادة وتدفع لهم أجورهم وأتعابهم عن تلك المقابلات أو من خلال دعم مادي ومعنوي واعلامي يأتيهم بشكل مباشر أو غير مباشر من جهات معينة، وبالتالي إشغال النّاس في مواكبة أخبارها لسبب أو لآخر، والدليل على ذلك يتلخص بالآتي:

أولاً، لا يُمكن للمبصرين والمنجمين أن يحددوا تواريخ ثابتة وحاسمة ودقيقة عن أي حدث يتوقعونه إنما يكون ذلك عادة بالمطلق ولفترة زمنية مفتوحة وغير محددة، وفي حال عدم حصول توقعاتهم يكون النّاس قد نسوا ذلك، أما في حال حصول أيّ من تلك التوقعات، فيتم التركيز عليها حتى وإن كانت قد حصلت بالصدفة أو تزامنت مع حصول أحداث معينة في هذا العالم الشاسع الواسع.

ثانياً، هل كان لهم بإقناعنا والجزم على سبيل المثال لا الحصر تحديد اسم الرئيس الأميركي الفائز بالانتخابات الأميركية في بلاد العام سام قبل إعلان النتائج الرسمية المتعلقة بهذا الشأن وهنا بيت القصيد، لأنهم لم يستطيعوا المجازفة أو المغامرة بمثل هذا التوقع كما حصل مع إحداهن حين توقعت يوماً وباصرار بأنه سيتم انتخاب فلان الفلاني للرئاسة الأولى في لبنان، وإذ بها لم توفق في حينه مما جعل الكثير من النّاس يهاجمونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مواقف لا تخلو من السخرية والشماتة إلى حدّ كبير.

أما لماذا يطل علينا أولئك مع مطلع كل عام عبر بعض وسائل الإعلام وشاشات التلفزة، وها نحن اقتربنا من إطلالة العام الجديد 2021 وبدأ العد العكسي لانتهاء العام الحالي 2020، وهناك من ينتظر منذ الآن مثل هذه الاطلالات للإطلاع على التوقعات الجديدة التي قد تطيح بالأخضر واليابس بالسياسة والأمن والاقتصاد وعالم المال والأعمال محلياً وخارجياً اللهم إذا اكتفوا بذلك ولم «يشطحوا» إلى ما هو أخطر من توقعاتهم بكثير، مما سيزيد الاحباط احباطاً واخطار الكورونا أخطاراً والتلاعب بالأعصاب والعقول أكثر وأكثر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

أعلم جيداً ان كلامي هذا لن يجد قبولاً عند الكثيرين من متابعي أخبار التنجيم والتبصير وأربابها، ذلك لأن من أتحدث عنهم هم أناس طيبون يتعلقون «بحبال الهواء» كما يقول المثل الشائع للخلاص مما هم عليه من ضائقة اقتصادية ومالية واجتماعية أو توتر نفسي وذهني قد يقودهم الى الاسوأ مما يجعلهم يتتبعون تلك المقابلات والحلقات التلفزيونية لمعرفة الجديد من التوقعات على أن يتبخر ما سمعوه بعد حين.

وإذ كان هناك من نصيحة ما لأولئك النّاس الطيبين و«النصيحة كانت بجمل» حيث ندرك سلفاً أنهم قد لا يأخذون بها، لأن المتلاعبين بأعصابهم وعقولهم وأذهانهم قد استطاعوا اختراق جدار حياتهم وباتوا يوجهون إليهم الرسائل عبر التوقعات لكي تترسخ في عقولهم، إما عن قناعة أو عن غير ذلك وما عليهم عند سماع مثل تلك التوقعات والتنبؤات الا ان يحكّوا عقولهم جيداً ويتحكموا بأعصابهم وأن يحسبوا ألف حساب لما سمعوه من توقعات قد لا تغني من جوع، وفي النهاية لا يصح الا الصحيح.

هنا يأتي دور وسائل الإعلام الهام على هذا الصعيد، والتي يجب أن تكون بمثابة «الفلتر» لغربلة «القمح من الزوان»، وإيصال المفيد من الكلام إلى المتلقي، والأخذ بعين الاعتبار واقع النّاس والبلد المأساوي لا بل الكارثي والذي بات لا يحتمل المزيد من أخبار التنجيم والتبصير الملفقة والمغلفة بالتكهنات على أنواعها وأشكالها وحيثياتها، لا سيما وأن أغلب تلك التوقعات سوداوية وتشاؤمية إلى حدّ الوصول لتدمير الأعصاب وخلق توترات وارتباك وتشتت في المجتمع ككل، وإذا كان لا بدّ من مثل هذه الاستضافة، فعلى وسائل الإعلام تلك أن تضعها في خانة حلقات التسلية والترفيه منعاً لأخذ هذه التوقعات وكأنها ستحصل فعلاً، مما يزيد في إشاعة الخوف والرعب والهلع عند التابعين لها، علّ وعسى أن يأتي يوم قريب تكشف فيه خفايا وخبايا وأسرار كل من يدّعون ويمتشقون سيف الكلام المزيف المعسول وعندها لا بدّ من محاسبة من استطاع التغلغل إلى واقع يكاد يسقط في أفخاخ أولئك المنجمين والمبصرين لأنهم كذبوا ولو صدقوا.

كل ذلك يدفعنا لمقاربة أوجه الشبه ما بين أقوال وأفعال وأعمال أولئك المنجمين مع أقوال وأفعال تصاريح المسؤولين والسياسيين في لبنان الذين يتخبطون ويضيعون في متاهات التوقعات تلو التوقعات بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة التي مضى أكثر من شهر على تكليف الرئيس سعد الحريري لإنجاز هذه المهمة التي تكاد تبدو مستحيلة حتى الآن، بحسب الاخبار التي تصل إما بالتواتر أو بصريح العبارة مما يجعل التساؤلات وعلامات الاستفهام تطرح نفسها بإلحاح ماذا يُمكن للبنانيين ان ينتظروا من هكذا سياسيين ومسؤولين «اسمع كلامهم تفرح، جرب أفعالهم تحزن»، وهم باتوا كالمبصرين تسبقهم توقعاتهم ليلاً لتمحوها شمس الصباح، ومن ثم يبدأ خلط الأوراق من جديد وكلٌّ يرمي الكرة في ملعب الآخر لرفع المسؤولية عن عاتقه دون الأخذ بعين الاعتبار بجدية الاخطار التي تحدق بلبنان وشعبه من كل حدب وصوب، وقد بات الوضع لا يحتمل المزيد من الانهيار والتأزم وربما أصبح عالم التوقعات والتبصير والتنجيم أقرب ما يكون في بلد كلبنان إلى من يبحث بالسراج والفتيلة عن اخصائيين يشكلون نواة الحكومة الجديدة بعد طول انتظار.