بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الأول 2019 12:01ص كلمة رئيس الجمهورية خلت من التنازل لمصلحة الوطن ولم تضع الاصبع على الجرح

إستهداف ميقاتي رداً على دفاعه عن الدستور ورئاسة الحكومة والتعديل الوزاري

الرئيس عون في كلمته المسجلة وبدت واضحة لمسة المونتاج أثناء التسجيل بين الصورتين الرئيس عون في كلمته المسجلة وبدت واضحة لمسة المونتاج أثناء التسجيل بين الصورتين
حجم الخط
وفي اليوم الثامن زاد تمسك الأحرار بالساحات، لا الحناجرُ مَلّت ولا الهمم، وإن بدا أن ثمة من يستدرج فتنة أهلية، عناداً ومكابرة، وفق منطق شارع في مواجهة شارع. 

وفي اليوم الثامن أيضاً نطق.. تخلى عن صمته وإنكاره، لكن على طريقته الأثيرة في تحميل الآخرين الأوزار.. الكل مخطئ إلا أنا، والكل يتحمل المسؤولية سواي.. تكتيكٌ، أو قُل، سياسة التفافية عرجاء، يمكن أن تعطل البلد لسنتين بلا حكومة «كرمى لعيون جبران»، ثم تبدو حريصة على ضمان حرية التنقل التي يعرقلها متظاهرون يريدون استقلال قرارهم الوطني من منظومتي السلاح والفساد وملحقاتهما!!

انتظر كثيرون موقف رئيس الجمهورية؛ اللبنانيون، ومعهم المجتمعين العربي والدولي والجهات الدولية المانحة وكلّ المعجبين بشابات وشباب ربيع لبنان، انتظروا وضعاً للإصبع على الجرح، طرحاً للحلول، تنازلاً لمصلحة الوطن، فتحاً لباب تحييد من أساؤوا للرئيس والعهد إنقاذا لما تبقى.. لكن كل ذلك لم يحصل. 

تحدث الرئيس (في كلمة مسجلة) عن ضرورة التخلص من الذهنية الطائفية!! والكل يعلم أن من أهم وأقوى انتصارات ثورة 17 تشرين أنها أخرجت الشعب من قَماقم الحصون الطائفية التي حرصت الطبقة الحاكمة على سجنه داخلها، وأنها جعلت أبناء طرابلس يهتفون لأبناء صور، وأبناء جونيه يخاطبون أبناء بعلبك، وأبناء زحلة يدعمون أهالي النبطية، فيما الجميع في حضن ساحات العاصمة يشكون إليها همهم وسخطهم ويأسهم وغضبهم من الطبقة الحاكمة.

ثم أي طائفية أكبر وأخطر يا فخامة الرئيس من تحطيم مستقبل نحو 900 شاب وصبية آمنوا بالدولة ونجحوا بكفاءتهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، ثم منعوا من الالتحقاق بوظائفهم بمنطق طائفي غير مبرر؟ 

عدّد الرئيس اقتراحات القوانين التي قدمها منذ العام 2013!!!، لكنه لم يخبرنا ماذا فعل في هذا السياق منذ وصل إلى سدة الرئاسة، وإلى جانبه أكثرية نيابية وحكومية وحزب يستقوي بالسلاح؟ هكذا بدت طروحات الرئيس بعيدة عن مسار الأحداث، بل متأخرة عنها، فيما يعلم الجميع أن الشكوى هي من الفساد والنهب والمحاصصة والتعرض للحريات والاستهداف السياسي، واستغلال القضاء والمؤسسات وتعميم الشعبويات والكيديات. 

ميقاتي يعرّي السلطة

وبالحديث عن الكيدية، برزت أول من أمس واحدة من حماقات السلطة كانت بمثابة التعبير الأصدق عن السياسات القاصرة التي تطبع العهد. فبعد ساعات قليلة من طرح الرئيس نجيب ميقاتي رؤية للخروج من المأزق الراهن، تلبي نداءات الناس ولا تدخل البلد في نفق المجهول، تقوم على «اجراء تعديل وزاري ووضع حد لاستعلاء البعض وفوقيته ومنهم الوزير جبران باسيل»، تسرّب إلى الإعلام خبر طلب ادّعاء النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على الرئيس نجيب ميقاتي وأفراد من عائلته ومصرف عريق بجرم «الاثراء غير المشروع»، بدا القرار يحمل رغبة دفينة بتصفية حساب قديم. توقيت غبي، أخطاء في الإخراج القانوني، بروباغندا لا تحترم عقول المتظاهرين، وتسرّع كمن يدرك أنه يرتكب نقيصة.. كل ذلك يجعل من الخطوة استهدافاً سياسياً كامل الأوصاف، لميقاتي ولعروس الثورة طرابلس.  

ماذا «ارتكب» ميقاتي منذ انطلاق ثورة 17 تشرين وقبلها؟ 

أعلن انحيازه المطلق للتحرك الشعبي «الذي يعبّر عن صرخة وجع من الازمات الخانقة التي يشهدها لبنان»، وشدد على أهمية العودة الى الدستور لجهة الصلاحيات والمهام، وعدم القفز فوقها لفرض نهج واحجام لا تتلاءم مع الدستور وروحيته، وتشكل تعديا عليه». لكن الموقف المهم كان في التنبيه إلى عملية تسلل تهدف إلى تحميل رئيس الحكومة، دون غيره، وزر الفشل والانهيار، وإلى منح صك براءة للعهد والمجلس النيابي وبقية القوى السياسية. فإذ أشار إلى «من رفع سقف المواجهة بالتحريض المباشر على «قلب الطاولة» على الجميع. وبات واضحا ان هناك محاولات للتنصل من مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع ووضع المسألة كلها على عاتق رئيس الحكومة»، رأى أن «المدخل الى حل الازمة الراهنة هو في استقالة الحكومة واعادة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة مع فريق عمل متجانس لتنفيذ الخطوات الاصلاحية والورقة الاصلاحية.. واذا كانت هناك صعوبة في ذلك، فاجراء تعديل وزاري ووضع حد لاستعلاء البعض وفوقيته ومنهم الوزير باسيل الذي لم يلامس واقع اللبنانيين بطروحاته».

ميقاتي الذي اعتبر الخطوة القضائية «رسالة بان الكيل طفح منا ومن مواقفنا ومن دفاعنا عن الدستور والطائف»، وأعلن أنه تحت سقف القضاء والقانون ودعا إلى رفع اليد عن الجيش والقضاء، اختصر المسألة وأبعادها بالقول «فخامة الرئيس انا لم انتخبك وسئلت يومها لماذا فقلت «مع كل احترامي له انا لا اعتقد انه يمكن ان يجمع اللبنانيين». فخامة الرئيس اليوم جمعت اللبنانيين على مساوئ المحيطين بك والشتائم والسباب الذي يوجه اليهم». 

ماذا يعني هذا الادّعاء في دلالاته السياسية، حتى ولو حسم مدعي عام التمييز القول في شوائب قانونية تشوبه تجعل منه غير ذي معنى؟ يعني أن ميقاتي سمّى، خلافاً لكثيرين، المعطّل باسمه، وانحاز للشعب ولأهل طرابلس الذين كسروا الصورة التي تمّ أسرهم بها لسنوات خلافاً لقيمهم وتراثهم وأخلاقهم ووطنيتهم، وطرحَ مبادرة للحل تحفظ الدولة والمؤسسات وتمنع الانهيار، وقبل ذلك عمل مع رؤساء الحكومات السابقين على حماية الدستور والطائف ومقام رئاسة الحكومة من عبثية الشعبويين.

الادعاء، والحال هذه، يعني صوابية خيارات ميقاتي، وفضحَ أساليب السلطة، وأظهر القضاء مسيساً، وفوق ذلك أثبت أن الثورة نجحت في تعرية من يجب تعريتهم. الادعاء «انجاز» جديد يضاف إلى إنجازات العهد في التضييق على الحريات والاستهداف السياسي.

هكذا، تبدو ردة فعل العهد منذ اليوم الاول للثورة، من تراجع إلى تراجع، ومن إرباك إلى إرباك، وفي ذلك اثبات جديد أن المشكلة ليست في فساد طبقة سلطوية معينة فقط، بل في منظمة شاملة تؤمن استمرارية بعضها بعضاً. وصدق المطران الياس عودة في صرخته المدوية «الفراغ أفضل مما نعيشه».