بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آب 2023 12:00ص كي لا تتكرّر مأساة لبنان (2/12)

خطيئة تعامل غالبية «لقاء قرنة شهوان» مع عون

حجم الخط
مع سقوط إتفاق 17 أيار عملياً، دخل لبنان مجدداً في الكنف السوري تحت مظلة الاتحاد السوفياتي، واضطر الرئيس أمين الجميل إلى تعيين رشيد كرامي رئيساً لحكومة «مصالحة وطنية»، شُكِّلت في 30 نيسان 1984. وكانت حكومة شفيق الوزان قد اضطرت إلى إلغاء الإتفاق بتاريخ 5 آذار 1984 بالتزامن مع إلغائه من قبل البرلمان، تحت ضغط الأحداث الأمنية المتسارعة وإستهداف القوات المتعددة الجنسيات.
وفي 23 حزيران 1984 استقال العماد إبراهيم طّنوس من قيادة الجيش مدركاً أنه سوف يتحول إلى «كبش محرقة» لما سُّمِيَ بحرب الجبل وإنتفاضة «أمل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» بدعم من سوريا-الأسد في بيروت والضاحية يوم 6 شباط 1984. في اليوم نفسه عُين ميشال عون محله بإقتراح-طلب لا يرفض من حافظ الأسد إلى الرئيس أمين الجميل.
وفي 29 آب 1984، توفي الشيخ بيار الجميل، رئيس «حزب الكتائب»، مما أطلق التحضيرات لإنتفاضة 12 آذار التي قام بها سمير جعجع وإيلي حبيقة بالتعاون والتكافل، هدفها تحرير «القوات اللبنانية» من سطوة «حزب الكتائب» والرئيس أمين الجميّل عليها.
وفي 15 كانون الثاني 1986، كانت الإنتفاضة الثانية التي قادها سمير جعجع بمعاونة الرئيس أمين الجميل لإسقاط «الاتفاق الثلاثي» والإطاحة بقيادة حبيقة للقوات.
ومع نجاح الإنتفاضة التي شاركتُ في صنعها تخطيطاً وعملانياً غير آبه لتفجير سيارتي وتهديدي بالقتل، ومن موقعي كمدير عام الدائرة الإعلامية في «القوات اللبنانية» ومدير عام إذاعة «صوت لبنان» ومن خلال التشبيك السياسي مع عدد من السياسيين على رأسهم الرئيس كميل شمعون، أصبحت المستشار السياسي لقائد «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، مستشاراً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وليس «خيال صحرا».
ومن لحظة نجاح الإنتفاضة الثانية تمحور الصراع على السلطة في «الشرقية»، أكانت دولتية أو سلطة أمر واقع أو مزيجاً من الإثنين، بين ثلاثة رجال : سمير جعجع (قائد «القوات اللبنانية»)، أمين الجميل (رئيس الجمهورية) وميشال عون (قائد الجيش اللبناني). لم تكن بين الثلاثة ذرّة الثقة. وإذا إتفق إثنين منهم، فيتغّلبان على الثالث.
وكان ميشال عون كان الأخطر في نظري، لأنه كان يمتلك السلاح وكانت الحوادث تتوالى بين الجيش و«القوات» (حادثة المونتيفردي، إغتيال العميد خليل كنعان...). لذلك باشرت بعد إنتفاضة 15 كانون الثاني 1986، اجتماعات متتالية مع عون بوتيرة إجتماع كل أسبوع للتوصل إلى خلق آلية تنسيق بين الجيش والقوات تبدأ بلقاء بينه وبين جعجع. إلّا أنني لم أفلح لأن عون كان يراوغ وعينه على اللحظة التي يتمكن فيها من ضرب «القوات» رعبوناً للأسد كي يأتي به رئيساً للجمهورية. فكيف له أن يلتقي جعجع؟!
لم يكن جعجع مقتنعاً بمحاولتي تلك، ولكنني أكملت السير بمساعيَ بالرغم من قناعتي الدفينة أنها لن تنجح.
وعند أول هجوم شنّه عون على الكرنتينا في 14 شباط 1989 (وكان قد أصبح حينذاك رئيس حكومة العسكريين التي شكّلها الرئيس الجميل في آخر دقيقة من عهده في 22 أيلول 1988)، كلّفني جعجع بأن أفاوض عون لوقف الأعمال العسكرية، وإلى جانبي جورج عدوان، نظراً لعلاقاته التاريخية والمتمادية بأوساط ضباط الجيش، بمن فيهم عون.
وفي 14 آذار 1989، أطلق عون «حرب التحرير» في شكل مفاجئ نتيجة فشل مفاوضاته مع الأسد ليأتي به رئيساً للجمهورية. حاولت مرة أخيرة جاهداً إقناعه بوقفها ولم أفلح. وجاء إتفاق الطائف نتيجة هذه الحرب المجنونة، ووقّعه النواب في 22 تشرين الأول 1989 وصادق عليه البرلمان في 5 تشرين الثاني 1989.
بعد المصادقة إلتقيت عون، وكان «إتفاق الطائف» قد أصبح واقعاً، وحاولت إقناعه بالتعاون مع «القوات» للتأثير في مجيء برئيس للجمهورية يمكن التعاون معه. ولم أفلح.
بعد إنتخاب رينه معوض رئيساً، إلتقيت عون مرة أخرى لإقناعه بالتعاون مع «القوات» للإتيان بحكومة معقولة. ولم يتجاوب.
ثم شّن عون «حرب الإلغاء» في 31 كانون الثاني 1990. في 30 آب 1991 غادر ميشال عون لبنان إلى منفاه في فرنسا، أسس «التيار الوطني الحر» ليشارك في الحركة السيادية ضد الإحتلال السوري. وقد إلتقيته مراراً في منفاه بغية التنسيق معه وألتقيته آخر مرة في باريس قبيل عودته إلى لبنان.
هكذا، اكتسبت معرفة معمّقة بشخصية عون وخباياها التي تفسر طريقة تصرفه السياسي وغير السياسي. لن أدخل في تفاصيل تلك الاجتماعات في هذه المقالة. أتركها للكتاب الذي هو قيد الإعداد.
وفي مطلق الأحوال، إن هذه المعرفة المعمّقة بعون كخصم وحليف في ظروف قصوَية، جعلتني أقول في الجلسات المتتالية لـ«لقاء قرنة شهوان» في أيار 2005، والتي خصصت لتقرير طريقة التعاطي مع المرحلة المفصلية التي كان يعيشها لبنان، ولا سيما التعامل مع عون: «إنني لست من المغرمين بعون، ولست مِن المتوجسين في عدائهم له، إنما أعرفه خير معرفة (je ne suis pas aounophile, je ne suis pas aounophobe; je suis aounologue )».
قبل إنشاء «لقاء قرنة شهوان» الرسمي في 30 نيسان 2001، وتحديداً منذ آب 2000، نشأ ما يمكن تسميته «لقاء قرنة شهوان» غير العلني الذي ضم 12 تنظيماً وشخصية، تحت رعاية البطريرك مار نصر الله بطرس صفير بالتزامن مع نداء المطارنة الشهير لرفع الإحتلال السوري عن لبنان. وكان عون ممثلاً في هذا اللقاء بشخص صهره آنذاك سامي نادر.
عند إنشاء «لقاء قرنة شهوان» الرسمي، أصرّ بعض أعضائه على ذكر إتفاق الطائف في البيان التأسيسي، كما لو أنهم أرادوا من البداية دفعه إلى رفض المشاركة في اللقاء بهدف التحضّر لمنافسته على السلطة «عندما يحين وقت القطاف»، وهم العارفين بـ«غولَنته» على السلطة. بالطبع، لم أكن من هذا الرأي وحاولت ثنيهم عن ذكره تفاديا» لخروج «التيار العوني» الذي كنت أرى ضرورة في أن يضم أكبر مجموعة من القوى السيادية بالرغم من إختلافها حول إتفاق الطائف. منذ ذلك الحين، أصبحت القوى السيادية منقسمة بين «لقاء قرنة شهوان» و«التيار العوني»، والكل تحت مظلة بكركي، وإن كانت علاقات «لقاء قرنة شهوان» هي الأوثق.
لذا، عندما تتالت اجتماعات «لقاء قرنة شهوان» في شهر نيسان 2005 لتحديد وجهة التعاطي مع التطورات المتلاحقة، ولا سيما منها الانتخابات النيابية المقررة في أيار، وقد حذّرت في حينه من انتقاله إلى الضفة المقابلة، أي ضفة «حزب الله»، ومن تغيّر موازين القوى بين القوى السيادية ومحور الممانعة لمصلحة هذه الأخيرة. وهذا ما حصل في 5 شباط 2006 عبر «اتفاق مار مخايل» الذي وّفر لـ«حزب الله» حليفاً مسيحياً منتخباً من أكثرية 70 في المئة من المسيحيين، نتيجةً لتكالب «جماعتنا» على السلطة. وقد قمت بمحاولة أخيرة لأحول دون توقيع عون «اتفاق مار مخايل» عبر مفاوضات سرية للغاية بادرت إليها وأدرتها للتوصل إلى رأب الصدع بينه وبين قوى 14 آذار. ولكن عبثا».
2005، كنت من الأقلية التي إقترحت التعاطي المرن مع عون، رافضاً عزله ومخاصمته، محذّراً من إمكانية دفعه دفعاً نحو إرتكاب المحظور، وذلك بالرغم علمي وعلم جميع أعضاء «القرنة» بإجتماعاته المشبوهة مع كريم بقرادوني وأميل أميل لحود في باريس. وقد حذّرت حينها من انتقاله إلى الضفة المقابلة، أي ضفة «حزب الله» ومن تغيير موازين القوى بين القوى السيادية ومحور الممانعة لمصلحة هذه الأخيرة. وهذا ما حصل في 5 شباط 2006 عبر «إتفاق مار مخايل» الذي وّفر لـ«حزب الله» حليفاً مسيحياً منتخباً من أكثرية 70% من المسيحيين، نتيجة لتكالب «جماعتنا» على السلطة. وقد قمت بمحاولة أخيرة لأحول دون توقيعه عبر مفاوضات سرية للغاية بادرت إليها وأدرتها للتوصل إلى رأب الصدع بينه وبين 14 آذار. ولكن عبثاً.