2 كانون الأول 2023 12:01ص مذبحة غزة

حجم الخط
مهما تعالى المرء على الجراح. مهما غار في التاريخ القديم وفي التاريخ الحديث، يبحث عن مذبحة مماثلة، لتلك التي وقعت لغزة، فإنه لن يجد قطعا مثلها على الإطلاق.. فإنه لن يجد قطعا، مثالا لها.
لا يمكن للمرء أن يقارن هذه المذبحة، بتلك التي وقعت في هيروشيما، أو في نكازاكي، أو بتلك التي وقعت لبيروت في إنفجار المرفأ. لا يمكن لنا أن نقارن مذبحة غزة، بمذبح غرنيكا بإسبانيا. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة، بمذبحة قانا، ولا بمذبحة باب التبانة بطرابلس. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة بنكبة فلسطين العام 1948، ولا بمذبحة كفرقاسم، ولا بمذبحة القدس، حين دخلها الصليبيون، ولا بمذابح الأناضول والبلقان، ولا بمذابح البوسنة والهرسك، ولا بمذابح التطهير العرقي، في حرب الإسترداد بإسبانيا، لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة، بمذبحة بحر البقر في مصر. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة، بكل المذابح التي حصلت في العالم: في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن وأفريقيا. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة، بكل المذابح التي حصلت في الحروب الدينية في أوروبا، وفي الحرب العالمية الأولى والثانية. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة الأخيرة: غزة الربع الأخير من العام 2023، بكل الحروب التي وقعت في أميركا، أثناء حملات الإكتشاف، أو أثناء حملات الإبادة للسكان الأصليين. لا يمكن أن نقارن مذبحة غزة، بجميع مذابح النازية، ولا بجميع مذابح الستالينية. مذبحة غزة فريدة من نوعها في التاريخ القديم والحديث. وهي أعظم لطخة على الإطلاق، على جبين الإنسانية، على جبين كل الإنسانية، على جبين كل دول العالم، صغراها وكبراها، على جبين الرؤساء الأقطاب: أميركا وروسيا والصين، على جبين دول مجلس الأمن، على جبين دول الأمم المتحدة، على جبين جميع الدول المتحكمة بحياة الناس في العالم. مذبحة غزة أعظم وصمة عار عرفتها مدينة بثقل مدينة غزة. أعظم وصمة عار إنطبعت على جبين جميع دول العالم، وهو منشغل عنها، بوداع العام 2023.
ماذا يعني أن يأذن العالم، كل العالم.. نعم كل العالم، أن يأذن لرجل مهووس بالدم، رجل مهووس بالسلطة، رجل مهووس بالمال، رجل أخرق، أحمق ممسوس مهووس، أن يأخذ قرارا بتدمير مدينة تاريخية عظمى، على رؤوس أبنائها، بأعظم آلة تدمير في القرن الحادي والعشرين، بأعظم عتاد حربي، بأخطر آلة، بأحقر خطة حربية، بأبلى أنواع القنابل والصواريخ والدبابات والطائرات الحربية والطائرات المسيّرة. أن يهجم دفعة واحدة على مدينة غزة، بكل أنواع الأعتدة الحربية الخارقة والحارقة والمدمرة، وكأنه يرمي على صحارى، كأنه يرمي في أقاصي المحيطات، كأنه يرمي في أعالي الجبال، وفي أعماق الوديان.
رجل مأزوم منكود أخرق، أحمق، تاريخه مشرّب بالدم. على يديه، أعظم المجازر، في الضفة وفي القطاع، وفي سوريا وفي لبنان. على يديه أعتى أنواع الحروب وأقذرها، معروف بتاريخه الأسود لدى شعوب العالم أجمع، إسمه نتنياهو، يدير العالم له ظهره، فيأخذ أقذر قرار في تاريخ البشرية، لتدمير مدينة عظيمة إسمها غزة، على رؤوس ثلاثة ملايين إنسان، بلا شفقة وبلا رحمة. يمعن في ضرب المدينة بكل أنواع الأسلحة الحديثة والمستحدثة، بكل أنواع الأسلحة الخارقة، على مدار اليوم بلا إستراحة، على مدار الأسبوع بلا توقف، على مدار خمسين يوما.. يحاصر المدينة من جميع الجهات، برا وبحرا وجوا، ويمعن الفتك بالناس. تطاردهم قنابله وصواريخه ومسيّراته، إلى الملاجئ، إلى المدارس، إلى المستشفيات، إلى الجوامع، إلى الكنائس، إلى الأنفاق.. فيقتلهم بالآلاف، دون أن يأخذ جنده وقتا للإستراحة أو وقتا للطعام والشراب والعلاج والدواء.
من أوكل لهذا الرجل المجرم، أن يوقع بغزة في أعظم مذبحة؟ لماذا لم يبادر أحد من أقطاب العالم ولا من متسوقيهم، ليقول لفرعون العصر، لنيرونه، لموسيلينه، لهتلره، ليقول لفرنكو غزة، لهذا الأرتحششتا الصغير الحقير، لهذا النتنياهو المتفرّد بأعظم أنواع الإجرام، ليقول له: لا؟ لماذا لم نجد في العالم من يقل له كُف؟ من يقول له كفى؟ فليشهر أهل غزة أصابعهم إذن في جميع وجوه قادة العالم، بعدما نشرت دماؤهم على يد هذا الأحمق الأرعن، الذي تفرعن ولم يجد من يقول له: لا تتفرعن. لتسلح جميع شعوب العالم كما الطير، في وجوه حكامها، لأنهم ما وجدوا، بين جميع القياصرة، وبين جميع الأكاسرة، وبين جميع متسوقيهم، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، من يقول لأقذر رجل على الأرض، ماذا فعلت بغزة؟ ماذا فعلت بنا؟!
شعوب العالم واحدة في وجه مجرم العصر نتنياهو، وقادة العالم واحد وراء هذا المجرم القذر. يقولون اليوم أهل غزة. أرى أهل غزة، ومعهم شعوب العالم أجمع، يصرخون بصوت واحد، أما آن لهذا المجرم أن يُقتل. فما معنى الدساتير التي تقول بحماية المدنيين، بتحييد المدنيين، بمساعدة المرضى والعجزة والنساء والشيوخ والأطفال والعجّز.. بعدم منع الماء والطعام والدواء عن الناس العاديين؟! ما معنى الكتب التي تقول بحقوق الإنسان، التي تقول بالمعاهدات بين الدول في زمن الحرب، التي تقول بعدم حرق الغابات والحقول والمزارع وبيوت الناس الآمنين، بل بعدم الدخول على الآمنين في دورهم، وعدم تعريض حياتهم للخطر؟!
أهل غزة ينادون اليوم بصوت واحد، بعدما ذاقوا أعظم مذبحة على مدى جميع العصور، أعظم مذبحة في هذا العصر. بعدما ذاقوا في غزة مذبحة العصر. أهل غزة ينادون اليوم ومعهم كل شعوب العالم: أوقفوا أيها القياصرة والأكاسرة جميعا، المذبحة في غزة.. مذبحة العصر!.. خذوا نتنياهو إلى محكمة العدل الدولية، حيث يستحق أن يُحاكم كمجرم حرب.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية