بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 نيسان 2023 12:00ص من «بدو» شربل وهبة إلى «متخلّفي ورجعيي» جبران باسيل أو الانتحار السياسي

حجم الخط
فوجئت كما فوجئ كثيرون غيري بالرد الطائفي غير المتوقع من النائب جبران باسيل على قرار الرئيس نجيب ميقاتي تأخير تطبيق التوقيت الصيفي بمناسبة شهر رمضان المبارك. ومع أني لست من مؤيدي الرئيس ميقاتي في هذا الطرح، فكما هو معلوم أن الصيام  يرتبط بشروق الشمس وغروبها، طبقا للآية الكريمة {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل} (الآية 187 من سورة البقرة)  وبوضوح نرى أن تقديم الساعة ساعة لا يؤثّر في مدة الصيام، ولكن نفسيا يشعر الصائم بالراحة أكثر عندما يعرف أنه سيفطر عند الساعة السادسة مثلا بدلا من السابعة علما أنه يكون قد أمسك (أي باشر الصيام) عند الساعة الخامسة بدلا من الرابعة أي ان مدة الصيام واحدة. ولكن الرئيس ميقاتي فعل ذلك  تلبية لرغبة الرئيس برّي بعدم تطبيق التوقيت الصيفي برمضان، حيث تعمّد نشر تسجيل مصوّر والرئيس بري يتكلم وبصوت عالٍ يطلب منه عدم تقديم الساعة  وبعبارة آمرة: «مرّق لنا إيها» أي أن بري أمر وميقاتي نفّذ.
وجاء رفض باسيل الفوري لهذا الطلب من باب الحفاظ على المصالح اللبنانية المسيحية بالتمسّك «بالتوقيت العالمي».
 ولا أعرف من أين أتى باسيل بهذه العبارة الفارغة «التوقيت العالمي»، فلا علاقة للتوقيت العالمي بالتوقيت الصيفي، فالتوقيت العالمي الذي هو خط الطول الذي يمرّ بغرينيتش في لندن، حيث لكل دولة تعتمد توقيتها حسب ابتعادها شرقا أو غربا عن هذا الموقع، أمّا التوقيت الصيفي اعتمدته الدول الغربية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية لتوفير الطاقة، باعتبار أن النهار يكون طويلا في الصيف، واتبع لبنان  التوقيت الصيفي منذ العام 1998.
ويبدو أن الوزير باسيل، الحاقد على الرئيس نجيب ميقاتي لرفضه الانصياع له عندما كلّف بتشكيل الحكومة الأخيرة قبل مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا، والذي اعتمد الطعن بأي قرار يتخذه الرئيس ميقاتي، قد فَقدَ التركيز كيف يرد على قرار الرئيس ميقاتي فتسرّع بهذا الموقف. والمؤسف أن باقي الزعماء المسيحيين وغبطة البطريرك الراعي سارعوا لتأييده حتى لا يخسروا جمهورهم المسيحي، في حين كان يمكن الاكتفاء بالرفض لأن قرار مجلس الوزراء لا يلغى أو يعدّل إلا بقرارمن مجلس الوزراء، ودون تصويره  وكأنه يضر بالمسيحيين لصالح المسلمين. 
الوزير باسيل أراد أن يحتفل بهذا الانتصار حيث اعتبر نفسه انه الحامي لحقوق المسيحيين  وانصاعت له وأيّدته جميع القيادات المسيحية، فاحتفل وحزبه بفندق الحبتور وألقى كلمة في المناسبة أقل ما يقال فيها أنها قليلة الأدب بحق المسلمين حيث قال: «منمشي عتوقيت المتطورين مش عتوقيت المتخلفين» (ويقصد المسلمين الذين يصومون).
عام 1989 اتخذ الرئيس العماد ميشال عون وكان رئيسا للحكومة العسكرية، بالاتفاق مع الرئيس سليم الحص رئيس الحكومة المدنية قرارا شبيها بهذا القرار أي عدم اعتماد التوقيت الصيفي خلال شهر رمضان في ذلك العام. هل كان العماد عون في ذلك الوقت يفرّط في حقوق المسيحيين؟ كما كان على رأس الكنيسة المارونية البطريرك صفير، ولم يصرخ في حينه: «يا غيرة الدين». رغم أن المشاعر الطائفية كانت قوية. هل كان البطريرك صفير يفرّط بحقوق المسيحيين؟
إن تأييد الزعماء المسيحيين لموقف باسيل لم يزده إلّا غرورا، هذا الغرور هو مرض يحتاج لطبيب نفسي للتخلّص منه، فكيف يمكن لعاقل أن يتصور أن شخصا طامحا لرئاسة الجمهورية لبلد حيث أكثر من نصف سكانه من المسلمين الذين يعتبرهم متخلفين ورجعيين. فأي مسلم يمكن أن يؤيده للوصول للرئاسة؟
- هل كان عمه العماد ميشال عون متخلّفا ورجعيا عندما اتخذ مثل هذا القرار عام 1989؟
- هل كان البطريرك صفير متخلّفا ورجعيا عندما لم يعترض على هذا القرار؟
كيف يسمح باسيل لنفسه، وهو كان لسنوت طويلة، بدعم من هؤلاء «الرجعيين المتخلفين» يتربع على السلطة، بصفته رئيس الظل، وأقصد حزب الله.
عندما وصف وزير الخارجية الأسبق شربل وهبة عرب دول الخليج بـ «البدو» قامت الدنيا ولم تقعد إلى أن استقال من الحكومة المستقيلة أساسا بسب هذا الوصف غير المسؤول وذلك دفاعا عن مصالح لبنان وخاصة مغتربيه في دول الخليج العربية، وقد ردّ عليه السفير السعودي بطريقة غير مباشرة عندما أقام في دارته خيمة «بدوية» مجهزة بأحدث التكنولوجيا وأخذ يستقبل بها زواره المتضامنين معه وكأنه، يقول له: «هذه حضارتنا البدوية فأين حضارتكم؟».
والوزير وهبة هو من بطانة الوزير باسيل وهو من اختاره لوزارة الخارجية، دفع ثمن هذا الخطأ الجسيم، ليس فقط خسارته للوزارة، بل عزلة تامة لم تحصل مع أي وزير للخارجية، مما يمكن تسميته انتحارا سياسيا. فهل يدفع جبران باسيل ثمنا مشابها أي انتحارا سياسيا؟
على الأرجح نعم. والدلائل بدأت تظهر. فهذا هو نائب رئيس مجلس النواب السيد إلياس بو صعب، وهو عضو رئيسي في تكتل لبنان القوي لم يخفِ معارضته لموقف وتصرفات النائب باسيل، وعندما اتصلت زوجة باسيل معاتبة كان ردّه: لست ملزما بتأييده بالمواقف التي تسيء لنا، والأهم موقف عمه وولي نعمته الرئيس ميشال عون الذي أصدر مكتبه الإعلامي بيانا بما يشبه التأنيب لباسيل عندما أعلن فيه «أن أي خلاف سياسي بين أبناء الوطن الواحد هو مرحلي ولا يبرر تفلّت الخطاب وجنوحه نحو الكراهية واستثارة الغرائز الطائفية...» فهو بيان موجّه لباسيل ولمن أيّده من أصحاب الخطابات الطائفية.
فماذا ستقول زوجة باسيل لأبيها؟..
بالعادة يتقرّب الزعيم الماروني  الطامح للرئاسة من الطوائف الإسلامية قبل الوصول للرئاسة، وعندما يصل يمكنه أن يكشف عن وجهه الحقيقي المتعصب والمريض، أما أن يشتم المسلمين قبل وصوله للرئاسة فهذا هو الانتحار السياسي بعينه.