بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آب 2022 05:33م من يريد إعادة طرابلس إلى الفوضى والفتنة؟

حجم الخط
مع اتساع نطاق الأزمة في لبنان، تزداد مخاطر الانفجار الكبير وتكثر التوقّعات بحصول الفوضى العارمة ويرتفع منسوب الخشية من انهيار الأمن الاجتماعي، نظراً لتوقف عمل عجلة الدولة والسقوط المدوّي لقيمة مداخيل اللبنانيين وعجزهم عن تأمين أساسيات حياتهم اليومية، وهذا ما بات مشاهَداً ومعلوماً على نطاق واسع ولا يحتاج إلى أدلة أو براهين لنتأكد أنّنا وصلنا إلى جهنّم ونهبط أكثر فيها، وأنّنا تجاوزنا عصفورية السلطة وباتت الفوضى على الأبواب.

هذا في المشهد العام. أمّا في الرؤية الخاصة بمدينة طرابلس، فإنّ هناك من عاد ليتحدّث عن انفلات الأوضاع فيها من جوانب متعدِّدة، بل وصلت الرسائل السلبية إلى حدود التهديد بإعادة إشعال حرب المحاور بين منطقتي جبل محسن والتبانة، تحت دخان الاضطرابات الاجتماعي ووصول شرارة الاحتقان إلى هذه الخاصرة الحساسة فيعود الالتهاب إلى سابق عهده وتسقط طرابلس في دوامة التدمير مرّة جديدة.

المستثمرون في الفوضى
ما يخيف في هذه التسريبات أنّ المستثمرين الراغبين في إعادة هذا الصراع موجودون وينتظرون الفرصة لاشتعال الشرارة الأولى ليضرموا بعدها نيران الفتنة والاضطرابات، وهذا ما يغفل عنه الكثيرون، لكنّ عائقاً وحيداً يحول دون حصول هذه الكارثة، هو صمود الجيش اللبناني وتماسك جهاز مخابراته في طرابلس والشمال، وتفوّقه على العقبات المادية واللوجستية التي تعرقل حركته في المدينة، حيث أنّه رغم ضيق الحال، فإنّ ضباط وعناصر المؤسسة العسكرية لا يسمحون لهذه المصاعب بأن تمنعهم عن أداء واجباتهم.

تبرز رؤوس الفتنة من خلال مظاهر متعدّدة، منها محاولات بعض المجموعات المنظمة غير المعلنة استباحة الشوارع في ظروف معينة، والتحرّك في مناطق لا ينتشر فيها الجيش عادة، للقيام بإطلاق النار واستعراض القوة، وهذه مظاهر تتكرّر في محاولة للإيحاء بأنّ الأمن منفلت في المدينة.

يستغلّ هؤلاء بعض المناسبات السياسية، مثل ظهور هذا "الزعيم” أو ذاك لإطلاق النار، نذكر من ذلك حالات إطلاق النار الكثيفة التي تلت تكليف الرئيس سعد الحريري واتّسمت حينها بالجنون حيث امتدت ساعات عدة من ليل الثاني والعشرين من تشرين الأول 2020، وكان آخرها ما رافق كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله مساء 13 تموز 2022 وكان لافتاً أنّها عملية مقصودة لتظهير قدرة الحزب على الاختراق الأمني في كلّ المناطق، وخاصة في عاصمة الشمال، التي أطلق عليها البعض "عاصمة السنة”.

لا يخفى على أحد وجود مجموعات تابعة لما يسمى "سرايا المقاومة” في المدينة تتلطى بحصانة "حزب الله”، ومجموعات حزبية وعصابات تظهر في عمليات التخريب كما جرى في إحراق المصارف والبلدية، فضلاً عن توسّع عصابات السرقة، ومن المفيد التذكير بأنّ مجمل القوى السياسية سبق أن تورّطت بشكل أو بآخر في رعاية دورات الاشتباك بين محاور جبل محسن والتبانة، وهذا يضعها كلّها بدون استثناء أمام الامتحان اليوم، وأمام الاتهام بالعبث بأمن المدينة في حال تطوّرت مؤشِّرات التوتير فيها.

إستطاع الجيش أن يفرض الأمن في طرابلس وأن يُخمد الفتن وأن يمنع المجموعات التخريبية من أن تعيث فساداً في شوارعها، وهو يلاحق تجار المخدِّرات بلا هوادة، ولا يتوانى عن ملاحقة أي مؤشِّر لتسلّل الأفراد أو المجموعات الإرهابية، وهذه الإنجازات هي عمله اليومي بالتوازي مع انفتاح لافت على شرائح المجتمع على قاعدة التشاور والتكامل، وهذا تركم يُحسب لقيادة الجيش في وقت تخلّى فيه أغلب من يتولّى مواقع المسؤولية عن مسؤولياتهم.

أخطر استهداف لطرابلس
وما بين افتعال إطلاق النار المنظم وتزايد السرقات، يبرز أحد أخطر الاستهدافات لطرابلس، وهو التعطيل المتعمّد لانتخاب رئيسٍ لبلدية طرابلس، وتدخّل عدد من القوى السياسية لإبقاء الفراغ ومحاولاتها فرض رئيسٍ مرفوض من أغلب الأعضاء بطرق الالتفاف على القانون، لأنّ الجهات المعرقلة تريد إبقاء سيطرة المحافظ العوني على اتحاد بلديات الفيحاء، من خلال رئيس بلدية البداوي حسن غمراوي، المنتمي سياسياً إلى "حزب الله”، كما تريد منع استعادة البلدية عافيتّها ودورها التنموي المطلوب، الذي يعتبر أساس تنظيم الأمن الاجتماعي في المدينة.

الأيام المقبلة في لبنان عموماً وفي طرابلس بشكل خاص، ستكون صعبة وحامية، ولم يبق في ساحة الحرص على الاستقرار سوى الجيش وبعض المؤسسات الصامدة، وأبرزها غرفة التجارة والصناعة والزراعة التي تقوم بأدوار متعدّدة غايتها تحقيق الأمن الغذائي والاجتماعي، ويبرز هنا دور المؤسسات الاجتماعية كحاجز أخير في وجه انهيار منظومة القيم والأمن، لذلك، فإنّ الحاجة ماسة إلى وضع رؤية تكاملية بين الجيش وغرفة طرابلس والمؤسسات الاجتماعية، لكيفية عبور المرحلة الآتية، التي لا يمكن تجاوزها إلاّ بالقدر الأكبر من التعاون والتكاتف والتضامن الاجتماعي والوطني.

على المستوى الديني، فإنّ دار الفتوى والكنائس المسيحية في طرابلس مدعوون للاستنفار ووضع طاقاتهم وعلاقاتهم في إطار التكامل مع الجيش والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، فالمرجعيات الدينية ركنٌ أساس من أركان الاستقرار في البلد.

التكامل المطلوب مع الجيش
يستذكر أهل طرابلس زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى طرابلس، وإلى دار الفتوى تحديداً ومواقفه التي رفضت وصم المدينة بالإرهاب، وتحذيره من أنّ حرب المخدِّرات التي تتعرّض لها أخطر من الإرهاب، والأهمّ أنّه لن يسمح بانفلات الأمن ولا بإعادة الفوضى، بل إنّ الفيحاء هي في عين الجيش وقلبه، وهذا القرار سيبقى ساري المفعول ولن تستطيع ألاعيب الفتن أن تكسر الاستقرار، خاصة بعد التجارب التي راكمتها قيادة الجيش في التعامل مع الأحداث واستيعاب الأزمات.

لكنّ تأمين الاستقرار يجب أن يكون سياسياً بالدرجة الأولى، وهذا دور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المطالَب بإيلاء مدينته العناية الفائقة، ونواب طرابلس المطالبين بمغادرة مساحة البرود وانتظار الأحداث إلى المبادرات الفاعلة المتكاملة مع الجيش والمرجعيات الدينية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وإلاّ فإنّ رؤوس شياطين الفتنة ستعود لتسيطر على طرابلس، ومنها على كثير من المناطق اللبنانية.. فصمود طرابلس في وجه الفوضى هو صمود لكلّ لبنان.