بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 أيلول 2023 11:51م مواجهة تحديات العصر أم الإمعان في سياسة دفن الرؤوس في الرمال؟

حجم الخط
درجنا في عصر التحرر من الاستعمار بحسب المفردات المستخدمة من قبل المستعمرين لوصف اعمال ونشاطات القوى السياسية (المنظمات والأحزاب والجماعات) أو حتى الأنظمة المعادية للاستعمار على أنها مخربة وإرهابية ومارقة نظراً لما تلجأ إليه تلك القوى من تدمير لحال الاستقرار والسلم والمسار الطبيعي لحياة المجتمعات والبلدان. ودار جدل واسع ولم ينته حول التعريف بما هو إرهاب. ثم حدثت عملية 11 أيلول 2001 لتتجدد الحملة ضد هذا النوع من الأعمال وصُنف فاعلوها والمخططون لها من حركات وأحزاب ودول بالإرهابية والمارقة وأدرجت على لائحة الإرهاب وبرر على أساسها اتخاذ مختلف أنواع الردود الإنتقامية والعقابية وحتى الحروب من أجل اجتثاث هذه الحركات من جذورها (مثال أفغانستان على يد تحالف دولي  - وفلسطين على يد العدو الصهيوني مدعوماً من جبهة دولية). وترسخت في الأدبيات السياسية مقولة أعمال إرهابية وأنظمة إرهابية وأحزاب إرهابية ودول مارقة وفاشلة إلخ يقابلها إجراءات ردعية وتأديبية وعقوبات وحروب لاجتثاث الإرهاب والحركات الإرهابية. ومن أبرز ما استحدثه الاستكبار العالمي هو الإكثار من استخدام سلاح العقوبات إلى جانب أسلحته التقليدية لمواجهة من يعصون توجيهاته. أما الضحايا لهذا المنهج المعتمد من قبل "حماة الديمقراطية" في العالم فهم دائماً الغلابة والشعوب المغلوبة على أمرها دون الأسياد القيمين على مصير هذه الدول الخاضعة. وأما هؤلاء الأعوان الداخليين للكبار الخارجيين فهم دائماً في مأمن بطبيعة الحال عن هذه العقوبات ما خلا القلة القليلة الخارجة عن الطاعة لحسابات ذاتية مصلحية موقتاً لا أكثر. وهذه الفئة المتعاونة مع الخارج والخاضعة لإملاءاته ومشيئته في هذه السياسة العقابية فتبقى تحظى بحماية أسيادها الخارجيين طالما هي تؤدي بطواعية عمياء تلك الإملاءت والتعليمات ولو أدى ما تقوم به من سياسات مدمِّرة ومخرِّبة لأوطان وكيانات هي مؤتمنة عليها من قبل الخارج. وهذه الحماية تقدم للأعوان مكافأة لهم على الخدمات المقدمة تحت شعار مكافحة الإرهاب. وأما تدمير البلدان بهياكلها كافة وصولاً إلى التصفية والإنهيار الشامل فلا يحتسب في خانة الأعمال التخريبية والإرهابية ولنا في هذا المجال مثل شهدناه بصورته الفظة والعنيفة في سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والآن نشاهده في السودان وكذلك في لبنان على وجه الخصوص  وبكيفية ناعمة وخبيثة بعد أن سبق استخدام الأساليب الخشنة ضده من قبل الصهاينة ثم استعيض عن دورهم بإيكال استكمال عملية التطويع والإخضاع لمن يمسكون في الداخال بزمام الحكم (عن طريق استشراء الفساد والتناتش على المصالح الفئوية والنهب والممارسات والأنشطة غير الشرعية وكل ذلك على مرأى من الأسياد. ولم تصنف هذه الحالات ضمن سجل الأعمال الإرهابية. والأنكى أن هذا التخريب والإرهاب الشامل للشعوب يتم بأدوات معظمها إن لم تكن كلها ترفع شعار مقاومة الإستكبار؟ وليأت من يفيدنا عما هو أفعل وأفتك في تدمير الدول والكيانات من السلاح الذي استخدم في لبنان على أيدي عناصر من الداخل.

إن المأزق الذي نحن فيه في البلدان الممانعة الطامحة إلى قلب ميزان القوى داخلها وفي الإقليم يمكنها من الانصراف إلى بناء قدرات تؤهلها إلى استثمار ما تمتلك من ثروات طبيعية وبشرية ومن موقع جيوستراتيجي قابل للتوظيف في نسج علاقات متوازنة مع الجوار ومع العالم هي أحوج ما تكون إليه من أجل تحويل عوامل القوة لديها من مطمع استغلال واستثمار في مصلحة الإرادات الخارجية إلى عوامل  تبني عليها وتستثمرها من أجل الدخول في شراكة متكافئة مع اقتصادات العالم طوقاً لوقف التبعية المزمنة وردم ما أمكن من الهوة التي تفصل عن عصر يدخل فيه العالم أجمع إلى عصر الثورة المعرفية عصر وثورة إن لم نلتحق بقطارهما سنكون كمن يحكم على نفسه قضاء لا رجعة عنه يبقينا في حال من التخلف والاستباحة لثرواتنا ولمزايانا الجيوستراتيجية 

لقد ولى زمن كان التحرر فيه يرتكز إلى التحصين الوطني عبر طرد المستعمر من أراضينا وتعطيل وسائل سيطرته ومواجهتها بالسلاح مع كل ما شكل ذلك من نزف بشري  وهذا التحرر الذي قام على تضافر جهود قوى متباينة المصالح في البلدان التابعة سرعان ما بردت جذوته مع تكون طبقة من الحكام الطفيليين أمنوا لأسيادهم في المركز البدائل عن تواجدهم المباشر في البلد المستثمَر والمستتبَع لضمان استمرار المصالح الكبرى للبلد المستعمِر. والحال أن المرحلة المسماة بمرحلة التحرر من الاستعمار ومرحلة التنمية والتقدم لم تثمر قيام أنظمة سياسية واقتصادات جديرة بالوقوف في وجه هيمنة المستعمِر المنسحب، لا بل ازدادت تبعية الدول المتحررة زعماً. والأسباب جرى تناولها بالإجمال والتفصيل في ملايين صفحات التقارير والدراسات والأبحاث والكتب. أما المعالجات فبقيت عاجزة عن إيقاف التدهور وأهم معيار له متمثل في ازدياد الهوة بين ما توصلت إليه بلدان المركز وما بقيت قابعة فيه بلدان الأطراف من تعثر في بلوغ وتائر تقدم تسمح بالوصول إلى ردم تدريجي لتلك الهوة.
إن الأساليب والمفاهيم التي اعتمدت لتسيير أوضاع بلادنا والتي لم تجدِ نفعاَ في مناخ عالمي صاعد اقتصادياً بالتأكيد لن تكون ناجعة في أوضاع أزمة لا تزال تحكم إقتصادات حتى بلدان المركز الأكثر تقدماً. ولم يعد هناك  من فرص متاحة أمام البلدان التابعة لإنقاذ نفسها من السقوط المحتم إلّا اللجوء للانخراط  في نظام جديد يوفر في المبادلات الدولية الإقتصادية نسباً من التكافؤ أكثر عدلاً. وقد يكون تكتل البريكس فرصة متاحة لدول فقيرة بثرواتها المادية والطبيعية ومتعثرة النمو من جهة، ولدول غنية بثرواتها الطبيعية ولكنها منهوبة من جهة أخرى، أن تحقق كلتاهما قفزات في نموها تضعها في مصاف دول حديثة. إن انضمام ستة بلدان من الأطراف ومنها ثلاثة بلدان عربية وإيران يعتبر إيذاناً بمواجهة جريئة لتحديات العصر الجديد.
أين نحن في لبنان في تحديات عصر المعرفة وحكامنا لاهون في البحث عن طرق الإلتفاف على حقائق العصر والمكابرة أمام قصورهم وفشلهم والإمعان في الهروب إلى الأمام ودفن الرؤوس في الرمال.؟