بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيار 2023 10:12ص نتنياهو يحيّد حماس ليذبح الجهاد

حجم الخط
أما وقد وضعت الحرب الصهيونية على غزّة أوزارها. وخرج الفلسطينيون الى الساحات والشوارع بالأهازيج الوطنية وصرخات التكبير، يرفعون شارات النصر، قبل أن ينتهوا من دفن شهدائهم، ويضمّدوا جراحهم، ويزيلوا ركام مخلّفات عدوان الحرب الإستئصالية الثانية على سرايا القدس التي أطلّ أمينها العام زياد النخّالة من بيروت مدججاً بأوسمة الشهادة والشهداء، مقيّماً للموقف، ورافعاً لشعار "وإن عدتم عدنا". لا بدّ لنا من نظرة فاحصة لمجريات هذه الحرب المجنونة التي خرج فيها الشعب الفلسطيني مبهراً في التفافه حول سرايا القدس وأكثر ثباتاً وتصميماً في المضي على درب تحرير كل فلسطين واستعادة الحقوق.
نظرة فاحصة تؤكد بأنّ مقولة "غزّة تحت القصف"، توصيف تعميمي وتضليلي لحقيقة الحرب الصهيونية على القطاع. فاليوم الرابع من العدوان المجرم كشف بوضوح لا لبس فيه، أنّ ما يجري هو تصفية فعلية لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد.
بدون شك الحرب الاسرائيلية على حركة الجهاد تشرّفها، لأنها ما خُلقت منذ تأسيسها بقيادة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي إلّا لمقارعة الكيان الصهيوني وعلى أرض فلسطين، ولهذا كان استشهاد الشقاقي واستهدافه المبكر، نتيجة إدراك إسرائيلي عميق بحقيقة الجهاد ومشروعها التحريري لكل فلسطين.
بدون شك أيضاً، كشفت الحرب الإسرائيلية الثانية على سرايا القدس، أنّ ما يجري في غزّة هو حرب إستئصالية لحركة الجهاد. هذا ما أكده نتنياهو وجنرالات اسرائيل وساستها. ببلاغة ساطعة، قال نتنياهو الحرب تستهدف حركة الجهاد، ولا تستهدف حماس. أكثر من ذلك يجزم الصهاينة كما الوقائع الميدانية، بعدم انخراط حماس في القتال، وبالتزامها الحياد في الحرب ضد الجهاد.
تسليط الضوء على هذا السلوك الحمساوي، يكشف بوضوح إنخراطها في المقاومات الإستعراضية الصوتية والدعائية لا غير، تماماً كما سبق وانخرطت تحت رايات الناتو دعماً لثواره ومجاهديه في ليبيا كمثال.
لعلّ صواريخ جنوبي لبنان التي نُسبت لحركة حماس تزامناً مع زيارة رئيسها اسماعيل هنيّة الى بيروت الشهر الماضي، يكشف أن وصف مقاومة حماس باتت استعراضية ليس تجنياً عليها، بل يظهر حقيقة فعلتها من جنوبي لبنان، كما إنّ صمت حتى صواريخها الصوتية من غزّة حالياً، يبدو أقرب الى إباحة دم الجهاد وقياداتها ليفعل بهم نتنياهو ما يشاء، إغتيالاً وقصفاً وتدميراً.
عندما أطلقت حماس صواريخها الصوتية على مناطق خالية شمال فلسطين المحتلة، سارع قادة الكيان الإسرائيلي الى تبرئة حزب الله من الصواريخ. ثم توالت تصريحات ومقالات منفوخة تقول بأن صواريخ حماس اللبنانية كانت تعبيراً عن التدشين العملي لوحدة الساحات أي الجهاز العسكري الميداني الموّحد لمحور الممانعة الذي سيتحرك في أي معركة مقبلة مع الكيان الصهيوني. لكنّ وقائع الحرب الحالية، بيّنت أن تصفية حركة الجهاد إنطلاقاً من غزّة، تدحض صدقية ومصداقية وحدة الساحات بل ومحور الممانعة ايضاً.
صدقية ومصداقية، عزّزهما تحوّل قائد وحدة الساحات حسن نصرالله الى محلّل سياسي يطلّ على الجمهور موصّفاً حرب غزة ويختصرها بأنّ نتنياهو يريد الهروب من مشاكل الجبهة الاسرائيلية الداخلية المهتزّة. توصيف نصرالله للعدوان على غزّة بدا أقرب الى موقف حركة حماس من الجهاد.
ثمّة قائل يقول، لكن حركة الجهاد تنظيم يدين بالولاء لإيران وقائدها علي خامنئي، وبالتالي فإنّ ما يجري ليس تخلّياً عنها، بل تكتيك ما بعد استراتيجي يعتمده محور المقاومة في المواجهة الطويلة مع إسرائيل!
ولاء حركة الجهاد لإيران، هوالشمّاعة أو السلاح الذي يذبح به نتنياهو قادة الجهاد. ومع هذا فمحور إيران وأذرعها لم يتحركوا قيد أنملة في الدفاع عن أحد أضلاعهم البارزين وهو يتعرض لمعركة استئصالية. بمعنى آخر، نتنياهو يستأصل حركة الجهاد بوصفها الأكثر أيرنة بين أذرعة إيران في المنطقة، بل وأكثر أيرنة من حماس! لكن هل فعلاً، ولاء حركة الجهاد هو لإيران، أم لفلسطين؟ وهل لو كان فعلاً ولاء الجهاد لإيران، لفعل نتنياهو وجيشه فيها الأفاعليل؟
لعلّ المتتبع لمسار ومسيرة الجهاد منذ تأسيسها حتى اليوم، يجد أن هذه الحركة مظلومة لكثرة الحرام الذي رُميت به ومن بعض أهل البيت الفلسطيني. المتتبّع لمسار ومسيرة الجهاد، يلحظ بوضوح شديد أن الجهاد لم تنزلق أو تنخرط يوماً في الأزقة والزواريب العربية، ولم تتآمر ضد أي بلد عربي رغم اختلافها معه، ولم تحيد لحظة واحدة عن أنّ معركتها هي فقط مع الكيان الصهيوني الجاثم فوق فلسطين. ولأجل شيطنتها وتقذيرها وترذيل صورتها وتشويهها، لم يجدوا ما يرشقونها به سوى إتهامها بالولاء لايران، كما  يفعل نتنياهو اليوم.
لكن، ولتأصيل مسألة ولاء الجهاد وغيرها لإيران، يفيد إنعاش الذاكرة بما سبق وأورده قائد مقر خاتم الأنبياء في الحرس الثوري الجنرال غلام علي رشيد، نقلاً عن قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي وقبل اغتياله بثلاثة أشهر سبق وأبلغ قادة القوات المسلحة الإيرانية، بأنه "قام بدعم من الحرس الثوري والجيش الإيراني بتأسيس وتنظيم ستة جيوش خارج الأراضي الإيرانية تحمل ميولاً عقائدية.. ومهمتها الدفاع عن طهران". وبوضوح فصيح، عدّد غلام رشيد قائمة جيوش سليماني وهي حزب الله أولاً، وحماس ثانياً والجهاد ثالثاً، والجيش السوري رابعاً، والحشد الشعبي في العراق خامساً، والحوثيين في اليمن سادساً.
تصريحات غلام رشيد لم تصب حزب الله بأي حرج سيّما وأن أمينه العام حسن نصرالله جاهر مراراً بأنّه "جندي في جيش الولي الفقيه". أمّا الجيش السوري فما لم يصدر عنه أي تعليق، وموقف الحوثيين مطابق لموقف حزب الله، في حين أن انقساماً أصاب الحشد الشعبي أدّى لما يعرف بحشد الولاية وحشد المرجعية.
الحرج الحقيقي، أصاب حركتي حماس والجهاد بمقتل، سيّما وأن تصريحات غلام رشيد أظهرتهما بمظهر المرتزقة ومجرّد بندقية للإيجار، لا تقاتل لأجل تحرير فلسطين والقدس، إنما لأجل من يموّلهم. ويومها لاذت حماس بصمت مطبق إزاء تصريحات قائد مقر خاتم الأنبياء. أما حركة الجهاد فلم تتمكن من بلع الفضيحة، فردّت ببيان مسهب عكست فيه حقيقة علاقتها مع طهران بالقول "إن تحالفها مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية هو في مواجهة اسرائيل واحتلالها لفلسطين، ولا يرتبط بأي أهداف أخرى". بيان الجهاد أحرج قادة ايران فأوعزوا لوكالة مهر الإيرانية لحذف تصريحات غلام رشيد عن موقعها الإلكتروني.
بالعودة الى صواريخ حماس اللبنانية، فقد أكدت الوقائع السياسية اللاحقة، أن الهدف منها لم يكن إلّا بغرض توجيه رسالة ليس لإسرائيل، وإنّما للدول العربية لحظة تقاطرها الى دمشق، وعشية زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى سوريا حيث أعدّ له استقبال مذهبي. رسالة تقول بأن وجود إيران في سوريا والمنطقة بات راسخاً في الوجدان السوري وشعوب المنطقة. ما يعني أن وحدة الساحات كما أخبرتنا الحرب على حركة الجهاد وذراعها العسكري سرايا القدس، موّجهة للدواخل العربية المعنيّة، وليس للكيان الصهيوني الذي لم يرتجف نتيجة الصواريخ الصوتية والشعارات الجوفاء القادرة على تدمير اسرائيل وخلال 7 دقائق ونصف.
عبرة الحرب الاستئصالية الثانية على الجهاد، تقول بأن نتنياهو نجح حتى الآن في الفصل والتمييز بين الفصائل الفلسطينية وتحييدها عن المعركة. وتحييد حماس الجاحظ للعميان أسطع دليل على ذلك، سيّما وأنّ حماس لم يعد يهمّها من فلسطين إلّا حكم دولة غزّة الموعودة، توازياً مع سلطة أوسلو ورئيسها محمود عباس.
ترى، ماذا لو نجح نتنياهو غداً في الفصل بين العائلات والأسر والبيوتات الفلسطينية؟
وللحديث بقية..